قسم أصول الدين
  وذلك أن الفكر حين وقف عند قول من يقول: إن الحياة الدنيا تنتهي بالموت وأنه لا حياة بعد الموت كما يقوله المشركون: {إِنْ هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا وَمَا نَحْنُ بِمَبْعُوثِينَ ٢٩}[الأنعام] وجد أن الحكمة تَقْتَضي حياة أخرى لخلو مشوار الحياة الدنيا من الحكمة والعدل والإنصاف والمجازاة، ومن هنا قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ ...}[الحجر: ٨٥]، أي: أن الله تعالى خلق ذلك لحكمة بالغة وغرض عظيم، وهذه الآية ونحوها جواب على المشركين المنكرين للبعث والحساب من حيث أن إنكارهم للبعث والحساب متضمن لنسبة الخالق جل وعلا إلى العبث واللعب في خلقه للسماوات والأرض وما بينهما.
  وذلك من حيث أن الحياة الدنيا انتهت بموت المحسن والمسيء، والظالم والمظلوم، والقوي والضعيف، والآمن والخائف، والجبار العاتي والمستضعف العاني، والساجن والمسجون، والمفسد في الأرض والمصلح، والمعافى والمبتلى، و ... و ... إلخ، مع العلم أن الله تعالى –وهو الحكيم العليم الغني - هو الذي أعطى الظالم القوة ومكنه من آلات الظلم، وخلى بينه وبين المظلوم ولم يمنعه منه، ولم يَحُل بينه وبينه مع قدرته على ذلك، ومع علمه بما يفعله الظالم، ومع غناه عما هنالك من الظلم، وهو سبحانه هو الذي أعطى المتكبر المال ومكنه من التسلط، وهو الذي أفقر الفقير وصرف عنه الأموال وزواها عنه، وحال بينه وبين القوة والتسلط.
  وهو سبحانه وتعالى هو الذي ابتلى أهل العلل والأمراض وألحق بهم الآلام، وهو الذي يخترم الآجال، ويؤلم الأطفال، وهو الذي يخلي بين ما يؤذي من الهوام والسباع وبين الناس، ويخلي بين المخاوف وبين الناس، وهو الذي يسلط الجوائح والمصائب على الناس، {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى ٤٣ وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ وَأَحْيَا ٤٤ وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى ٤٥ مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى ٤٦ وَأَنَّ عَلَيْهِ النَّشْأَةَ الْأُخْرَى ٤٧ وَأَنَّهُ هُوَ أَغْنَى وَأَقْنَى ٤٨}[النجم].