قسم أصول الدين
  وعلى الجملة فيصاحب المرء منذ مولده وإلى وفاته أنواع من البلاوى والأذى والآلام، والأحزان والهموم، والمخاوف والقلق، وأنواع من المصائب في الأبدان والأولاد والأموال، ومعاناة عريضة من شدائد الفقر والحاجة والخوف، والبأساء والضراء، وكل ذلك في أعمار قصيرة.
  يخلق المرء ضعيفاً فينشأ ويترعرع، ويصاحبه الضعف إلى أن يدخل في السبع الثالثة من عمره؛ فيشتد عوده ويستغلظ ساعده، ويكون في أقوى قوته، ثم يتدرج في عمره بقوة بدنه إلى أن يصل الأربعين من عمره، ثم تخف قوته شيئاً فشيئاً إلى أن يبلغ منتهى عمره، قال سبحانه: {ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً}[الروم: ٥٤]، وقال: {وَمَنْ نُعَمِّرْهُ نُنَكِّسْهُ فِي الْخَلْقِ}[يس: ٦٨]، فيموت الناس الظالم والمظلوم، والغابن والمغبون، و ... إلخ، وهاهنا يقف الفكر متحيراً يفتش عن الحكمة والسر المكتنفة لهذه الحياة الدنيا التي تنتهي بالموت فلا يجد لها أثراً.
  وهذا مع أن الفكر قد استيقن أن خالق هذه الحياة الدنيا غني غير محتاج إلى مخلوقاته، وعليم حكيم لا يصدر منه العبث واللعب، وأن أفعاله كلها حسنة مبنية على العدل والحكمة؛ لذلك فإن الفكر بعد إمعان النظر وطول التأمل يقضي بحتمية حياة أخرى تبتني على هذه الحياة الدنيا تظهر فيها الحكمة من الخلق الأول، وينكشف السر الذي من أجله خلق الله الحياة الدنيا.
  قال الله تعالى مخاطباً منكري البعث والجزاء: {أَيَحْسَبُ الْإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى ٣٦}[القيامة]، {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ ١١٥}[المؤمنون]، {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ ٣٥ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ ٣٦}[القلم].
  والقرآن الكريم مليء بمثل هذا الاستدلال، ولا سيما السور المكية.
  يستنكر الله تعالى على المشركين إنكارهم للبعث والجزاء؛ لما يلزم منه من نسبة العبث إلى الله واللعب في خلق ما خلق في هذه الحياة الدنيا، ولما يلزم من المساواة