من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الفرق بين الجلي والخفي فيما يرجع إلى التكليف في مسألة الإمامة

صفحة 181 - الجزء 3

  علماء أهل البيت $ وشيعتهم رضوان الله عليهم في مؤلفاتهم في أصول الدين عند ذكر المتقدمين على علي # فإنهم ذكروا هنالك أن المتقدمين عليه # إن كانوا علموا استحقاقه # للخلافة، وأنه أولى بها بعد النبي ÷ من دونهم فإنهم ظلمة وعصاة، وإن كانوا نظروا وأخطأوا فلم يفهموا استحقاقه لها من دونهم فإنهم معذورون لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}⁣[الأحزاب: ٥].

  فيؤخذ من هذا الكلام معرفة الفرق بين الجلي والخفي، فيكون الخفي: ما يعذر المكلف بمخالفته خطأً بعد النظر.

  أما النص الجلي فمعرفة معناه لا تحتاج إلى نظر بل بمعرفة اللفظ تحصل معرفة المعنى مباشرة من دون واسطة فكر واستدلال، ومن هنا فلا يمكن ادعاء الخطأ في فهم النصوص الجلية فلا يعذر تارك العمل بها.

  فإن قيل: إن الهادي # قال في مقدمة الأحكام في ذكر إمامة أمير المؤمنين # إنه لا يتم اسم الإيمان لمن لم يعلم إمامته # بعد النبي # أو كما قال.

  قلنا: فعلاً لا يتم اسم الإيمان إلا بالتصديق والإيمان بكل ما جاء به الرسول ÷ ومن رد شيئاً مما علم أنه جاء به كفر، ومن جملة ما جاء به النبي ÷ إمامة أمير المؤمنين علي # إلا أن الله تعالى يتجاوز لمن لم يستطع معرفة ذلك ككثير من الأعراب البعيدين عن المدن، وكالعجم وبعض النساء، ويكفي مثل هؤلاء الإيمان الجملي، وهكذا من لم يصل به تفكيره وعقله إلى العلم بإمامة أمير المؤمنين بعد أن نظر بعقله وتحرى إصابة الحق، ولم يكن له هوى لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة: ٢٨٦]، وقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}⁣[الأحزاب: ٥]، وعلى هذا فكلام الإمام الهادي # محمول على من تحقق من إمامته ولم يذعن للتصديق بها، ومن تمكن ودعي للنظر في الأدلة ثم أعرض.