من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

من أبواب أصول الفقه

صفحة 233 - الجزء 3

  كل واحد منهما باجتهاده، ولم يستنكر تعالى عليهما ذلك الاختلاف، وحكاه لنا تعالى في القرآن فقال سبحانه: {وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ ٧٨ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا}⁣[الأنبياء]، فأخبر تعالى أن سليمان # حظي بتوفيق الله في اجتهاده، ولم يستنكر على اجتهاد داود، بل أثنى الله تعالى عليهما معاً، ونعتهما جميعاً بالعلم والحكمة، وأنهما من المحسنين الذين استحقوا ثواب الله وكرامته بشرف الدنيا والآخرة.

  - وقد حكى الله تعالى لنا اختلاف المسلمين في يوم بني النضير فقال بعضهم: نقطع النخيل لنغيظ أهلها، وقال آخرون: بل نبقيها لينتفع المسلمون بها؛ فقطع بعض وترك بعض، فنزل القرآن بتصويب الفريقين فقال سبحانه في ذلك: {مَا قَطَعْتُمْ مِنْ لِينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيُخْزِيَ الْفَاسِقِينَ ٥}⁣[الحشر].

  - وقد اشتهر في السِّيَر وعند المحدثين أن النبي ÷ أمر المسلمين عند عودتهم من غزوة الخندق فقال لهم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يصلين العصر إلا في بني قريظة» فخرج المسلمون بعد عودهم من غزوة الخندق إلى غزو بني قريظة، فصلى بعضهم في الطريق، وبعض آخر لم يصلوا العصر إلا بعد العشاء في بني قريظة، وقالوا: إن النبي ÷ نهانا أن نصلي العصر إلا في بني قريظة، وقال الذين صلوا في الطريق: إن النبي ÷ لم يرد منا تأخير صلاة العصر عن وقتها وإنما قصد منا المبادرة فوراً إلى بني قريظة من غير أن نلوي على شيء.

  وحين أخبروا النبي ÷ لم يستنكر على أحد من الفريقين، هذا معنى القصة وهي مشهورة.