من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

حكم مخالف ظواهر القرآن

صفحة 252 - الجزء 3

  قلنا: الاحتمال لا يمنع القطع؛ بدليل أن النص يحتمل التأويل، ولا خلاف أن احتماله لذلك لا يمنع من القطع بمدلوله، وحينئذٍ فيستوي النص والظاهر فيما ذكرنا.

  وبناءً على ذلك فلا يجوز الالتفات إلى الاحتمال القائم في الظاهر والنص، ولا التعويل عليه، اللهم إلا عند قيام الدليل المحوج إلى ذلك، وعندئذٍ فيجب تأويل النص أو الخروج من الظاهر.

  فإن قيل: قولكم هذا خروج عن طبيعة الظاهر؛ إذ أن العلم والقطع من طبيعة النص لا من طبيعة الظاهر، فتسويتكم بين الأمرين هو خلاف المشهور بين العلماء.

  قلنا: لا ننكر أن العلماء قد فرقوا بين الأمرين، وأن علماء الأصول قد وضعوا لكل منهما باباً يخصه، غير أن هذا التفريق والتبويب تفريق وتبويب اصطلاحي حصل من بعد الجمع بينهما فيما ذكرنا.

  ونزيد في الاحتجاج هنا فنقول: إن حجة الله سبحانه وتعالى قائمة بالأمرين، وهذا مما لا خلاف فيه، ومعنى ذلك أنه لا ينفع بين يدي الله سبحانه وتعالى حجة من يحتج أو يتعلل في تركه للعمل بالظاهر، وأن حجته داحضة.

  نعم، هناك أمور نادرة قد يقع الوهم عند البعض في عدم دخولها تحت العموم، وقد يكون هناك مدلولات خفية عند البعض وظاهرة شيئاً من الظهور عند البعض الآخر أو نحو ذلك، فمثل ذلك ينبغي أن يكون هو المراد بأن دلالته ظنية، وأنه لا يجوز الاستناد إليه في التكفير والتفسيق، و ... إلخ.

  إذ أن الأنظار تختلف في فهمها من الظواهر، والمخطئ معذور؛ لقوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}⁣[البقرة ٢٨٦]، وقوله: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}⁣[التغابن ١٦]، ونحو ذلك.

  ومما يزيد في تأييد ما قدمنا: الإجماع على أن شريعة الإسلام عامة لكل مكلف في كل زمان ومكان.