الأدلة الشرعية
  قلنا: هذا الدليل القائم الذي أجمعوا على خلافه إما أن يكون من الكتاب أو من السنة أو من القياس؛ فإن كان من القياس فإن لم يهتدوا للعلة الجامعة فلا حجة عليهم في ذلك، ولا يجوز أن يهتدي المجتهدون من بعدهم للعلة ثم الحكم؛ لما يلزم من ذلك من نقصان الدين فيما تقدم من الأزمنة.
  وإن كان الدليل الذي أجمعوا على خلافه من السنة؛ فإما أن يكون ذلك منهم عن عمد، وإما عن جهل بها تماماً، وإما لاعتقادهم ضعفها أو كذبها، وإما لضعف أفهامهم عن استنباط الحكم منها، وإما لدليل ترجح عندهم عليها.
  فتركها عمداً غير وارد، ولا أظن أحداً يفترضه ويقدره؛ لما جاء في الأمة على الجملة من نحو قوله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}[آل عمران ١١٠]، وقوله تعالى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا}[البقرة ١٤٣]، وقوله ÷: «لن تجتمع أمتي على ضلالة»، وغير ذلك كثير.
  وإن تركوا العمل بالسنة من أجل الجهل بها بحيث إنهم لو اطلعوا عليها لما خالفوها فهذا افتراض في غاية البعد، وعليه فيلزم ألَّا تقوم عليهم حجة الله في تلك المسألة، وإلى آخر ما قدمنا من اللوازم. ثم من أين تتم المعرفة بتلك السنة لأهل الاجتهاد في الزمن المتأخر؟
  وإن كان ذلك لنقص في أفهامهم فلا يجوز ذلك من الله؛ لأنه تكليف بما لا يطاق.
  وإن كان الذي خالفوه الكتاب فلا يتأتى إلا فرض أن ذلك لنقص في الفهم، وفيه ما تقدم.
  وإن كان ذلك لأجل دليل ترجح عندهم فذلك هو الحجة القائمة عليهم، ولا حجة في غيره عليهم.
  وقد يقال: يجوز على الأمة الخطأ في حكم أو أحكام وليست مؤاخذة على ذلك؛ لقوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ}[الأحزاب ٥].