من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

فوائد في المعاملات

صفحة 316 - الجزء 3

  والذي يظهر والله أعلم أن المكلف لا يخلو عن نوازع الرياء ولا يمكنه أن يتخلص منه، ولكنه يجب عليه مدافعته ومجاهدته، ولولا هذه النوازع الطبيعية لما استحق المكلف الثواب على الإخلاص، ولما صح التكليف؛ لأن الثواب يستحق على إيثار طاعة الله على هوى النفس، وفي ذلك مشقة كبيرة على النفس، ويسمى إيثار طاعة الله على هوى النفس تكليف لما فيه من المشقة والكلفة على النفس، ولو خلت نفس المكلف المؤمن عن نوازع الرياء ومحبته تماماً حتى لا يبقى له وجود فيها لكان الإخلاص في العبادة طبيعة نفسية سهلة لا تحتاج إلى تحمل مشقة ولا كلفة.

  فمن هنا قلنا: إن المكلف المؤمن لا يخلو عن نوازع الرياء، وحينئذ فلا بد للمؤمن من مجاهدته ومدافعته على الدوام، ولا يجوز له أن يغفل عنه وعن مدافعته ومجاهدته، فإنه إن غفل عن ذلك مالت به نفسه إلى الرياء قليلاً قليلاً من حيث لا يشعر، فعلى المكلف أن يكون مستيقظاً على الدوام.

  وليعلم المكلف أنه وإن احترس من الرياء وداوم على مدافعته وجهاده وحرص على ذلك فإنه لا يسلم من هفوات نفسه وسقطاتها، فعليه لذلك أن يمسي تائباً ويصبح تائباً، ويكثر الاستغفار، ويسأل الله الإعانة والتوفيق والتسديد والإخلاص.

  وقد يظن المكلف أنه مخلص، وفي الحقيقة أنه قد تسرب إلى قلبه شيء من الرياء وهو لا يشعر.

  وقد يصر المكلف على اتهام نفسه بالرياء فلا يزال لذلك يعاتب نفسه ويمقتها، ويستغفر الله، وهو مع ذلك عند الله من المخلصين، وذلك لأنه وإن كان في الواقع قد دخل قلبه شيء من الرياء فإن اتهامه لنفسه وذمه لها واستغفاره يجعله عند الله من المخلصين.