فوائد في المعاملات
  قلت: الخوارج –وإن كانوا كذلك - فلا تجوز معاونتهم؛ لأنهم قد خرجوا في ضلالهم من ولاية الله إلى عداوته، وقد خرجوا من حزب الله إلى حزب الشيطان، وقد وصف الله المؤمنين في سورة التوبة بأن بعضهم أولياء بعض، وأن المنافقين بعضهم من بعض.
  وقال سبحانه وتعالى: {وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ ١٢٩}[الأنعام]، في هذه الآية دليل على أن ما نزل من بعض الظالمين على بعض نوع من العذاب العاجل استحقوه بما كانوا يكسبون، فلا ينبغي ولا يجوز أن يتصدى المؤمن لسخط الله وعذابه النازل على الظالمين.
  والحقيق بالمؤمن والأولى به الابتعاد عن ذلك ويقول: {رَبَّنَا لَا تَجْعَلْنَا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٨٥}[يونس]، و {لَا تَجْعَلْنَا مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ ٤٧}[الأعراف]، {فَافْرُقْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ ٢٥}[المائدة].
  فإن قيل: قد قال أهل المذهب بجواز إعانة الأقل ظلماً على الأكثر ظلماً.
  قلنا: قد قالوا ذلك بشروط:
  ١ - ألا تكون معاونتهم فيما يختص بالأئمة.
  ٢ - أن يقف الظالم على الرأي، أي على مقتضى الشريعة.
  ٣ - ألا تؤدي إعانته إلى قوة ظلمه.
  أما أهل الذمة فإنما وجب الدفع عنهم لأجل ما يقتضيه عهد الذمة من حفظ دمائهم وأولادهم ونسائهم وأموالهم على أن يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
  أما الخوارج ونحوهم فبخروجهم عن الولاية انقطعت دونهم الروابط، فليس لهم من ولاية المؤمنين حظ ولا نصيب، ولم يكن لهم كأهل الذمة عهد وذمة.
  فإن قيل: إذا كان العدو الباغي على الخوارج من الكافرين فهل يختلف الحكم؟
  قلنا: الحكم هنا مختلف عما سبق فتجوز المعاونة للخوارج ونحوهم في دفع بغي الكافرين، وذلك أن زحف الكفار على الخوارج أو نحوهم يعتبر زحفاً على