[في دعاء زين العابدين]
  ولا يخفى أن الله عليم حكيم، ومن مقتضيات الحكمة والعلم أن يراعي في إجابة الدعوة مصلحة المكلف؛ فلو عجل الله تعالى إجابة دعوة الداعي له وأراه إياها عقيب دعوته لربما أعجب بنفسه، وظن أن لها منزلة عند الله عظيمة، وبذلك يقع في الهلاك والخسارة والفتنة، والله تعالى عليم حكيم لا يضل أولياءه المؤمنين، ولا يوقعهم في أسباب الفتن والهلاك: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥].
  فإن قيل: فما وجه ما أوقعه الله تعالى من أسباب الفتنة والوقوع في الهلاك لأصحاب السبت؟
  قلنا: هيأ الله تعالى لأصحاب السبت أسباب الفتنة جزاءً لهم على تمردهم على الله، وفسقهم عن دينهم، وتعديهم لحدود الله بدليل ما ذكر الله تعالى في آخر قصتهم وهو قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ١٦٣}[الأعراف]، وفي مثل ذلك قال تعالى: {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٦٣}[النور].
  وبذلك يتبين أن الله تعالى لا يفعل لأوليائه المؤمنين المطيعين له ما يتسبب لوقوعهم في الفتنة والضلال، وأنه لا يفعل ذلك إلا للعصاة والفاسقين، جزاءً لهم على عصيانهم وفسقهم، وفي مثل ذلك قال سبحانه: {ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى أَنْ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَكَانُوا بِهَا يَسْتَهْزِئُونَ ١٠}[الروم]، فأخبر تعالى أن جزاء المسيئين وعاقبتهم هي العاقبة السوأى، وهي التكذيب بآيات الله والاستهزاء بها.
  أما المؤمنون المطيعون فقد قال تعالى فيهم: {يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ}[إبراهيم: ٢٧].
  إذا عرفت ذلك فإجابة الله تعالى لدعوة وليه المؤمن، تأتي في الوقت الذي يعلم الله تعالى أن إعطاءه لما دعا الله به تكون مصلحة خالصة في دينه ودنياه.