[كيف يستجيب الله للمشركين؟]
  وقد تكون المصلحة في علم الله أن لا يعطى تلك الدعوة أصلاً، لا في عاجل الدنيا ولا في آجلها، وإذا كان الأمر كذلك، فإن الله يعطيه عوضها إما في الدنيا وإما في الآخرة على حسب ما تقتضيه حكمته، وقد قال تعالى: {وَلَوْ بَسَطَ اللَّهُ الرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْا فِي الْأَرْضِ وَلَكِنْ يُنَزِّلُ بِقَدَرٍ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ بِعِبَادِهِ خَبِيرٌ بَصِيرٌ ٢٧}[الشورى]، وقال تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَيَطْغَى ٦ أَنْ رَأَىهُ اسْتَغْنَى ٧}[العلق].
[كيف يستجيب الله للمشركين؟]
  سؤال: ذكر الله تعالى أنه يستجيب للمشركين دعوتهم حين يكونون على ظهر الفلك في وسط البحر، حين يهيج بهم البحر؛ فإنهم إذا دعوه في تلك الحال استجاب لهم دعوتهم ونجاهم، فكيف يستجيب لهم دعوتهم وهم مشركون؟
  قد يقال في الجواب: إن المشركين في وسط البحر حين تعصف بهم الرياح، ويهيج بهم البحر - يتوجهون بقلوبهم ودعائهم إلى الله وحده؛ لعلمهم أنه لا يقدر على إنقاذهم سواه، وينسون أصنامهم في تلك الحال، لاستيقان أنفسهم في تلك الحال أنها لا تقدر على نفعهم وإنقاذهم.
  وحينئذ فدعاؤهم لله وقع في تلك الحال من قلوب مؤمنة بالله وحده، موقنة بأن القدرة والقوة له وحده، ليس للأصنام في قلوبهم مكان.
  وهكذا أخبر الله تعالى عنهم أنهم يدعون الله تعالى في تلك الحال مخلصين له الدين، وأنهم في تلك الحال ينسون ما يشركون، وقد دعوا الله تعالى مخلصين، دعاء المضطرين، فأجابهم ونجاهم.
  فالدعاء في تلك الحال وقع من أهله، وكانت الإجابة في محلها، وقد دعوا الله تعالى دعاء المضطرين وقد قال تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ}[النمل: ٦٢].
  وبعد، ففي الاستجابة لدعائهم حجة عليهم، وآية بينة لهم تصدهم عن الشرك، وتردهم إلى الله وحده، وزيادة لطف بهم.
  ويظهر لي أن إجابة الدعوة بالنسبة إلى الداعين تنقسم إلى قسمين: