من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الدعاء عبادة مستقلة

صفحة 341 - الجزء 3

  ١ - إجابة دعوة المضطر، وهو الذي أحاطت به أسباب الهلاك، ونظر هنا وهناك لعله يجد ما ينقذه فلم يجد شيئاً، وانقطع رجاؤه من كل شيء على وجه الدنيا وفي نواحي السماء، فتوجه بقلبه إلى الله، ومد رجاءه إليه ودعاه؛ لاستيقانه أنه لا يقدر على إنقاذه سواه، فمثل هذا الداعي يستجيب الله تعالى له، ولا يشترط لقبول الدعوة أن يكون من عباد الله المؤمنين من قبل الدعاء، ولا أن يستقيم على الإيمان والطاعة بعد الخروج من المأزق.

  ودليل ذلك: ما سبق من ذكر إجابة الله لدعاء المشركين في البحر الهائج، وقد قال تعالى مخاطباً للمشركين في سورة النمل، على لسان نبيه ÷: {قُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَسَلَامٌ عَلَى عِبَادِهِ الَّذِينَ اصْطَفَى آللَّهُ خَيْرٌ أَمَّا يُشْرِكُونَ ٥٩}⁣[النمل]، إلى قوله تعالى: {أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ ...}⁣[النمل: ٦٢].

  ٢ - إجابة دعوة غير المضطر، وهي مشروطة بالإضافة إلى ما ذكر من الإخلاص في الدعاء في دعوة المضطر بأن يكون الداعي مستجيباً لله، وملازماً للتقوى، وتائباً إلى الله، وذلك لقوله تعالى: {أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ١٨٦}⁣[البقرة]، فجعل سبحانه وتعالى الاستجابة لله بامتثال أوامره وترك مناهيه مع الالتزام بالإيمان - جعل ذلك علة وسبباً لاستجابة دعائهم الذي فيه رشادهم وفلاحهم، وقال سبحانه: {إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ٢٧}⁣[المائدة].

الدعاء عبادة مستقلة

  الدعاء عبادة يحبها الله تعالى؛ لقوله تعالى: {ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ ٦٠}⁣[غافر]، فسماه الله تعالى هنا عبادة، وذلك لما فيه من إظهار الفقر والحاجة إلى الله، ولما فيه من التذلل بالمسألة بين يدي الله تعالى الذي بيده الخير كله، وهو على كل شيء قدير.