باب صلاة الجمعة
  ولو كان لهم من الظروف مثل ما لنا في هذا الزمان من الفرصة في إقامة صلاة الجمعة بكامل الحرية من غير أن يكون للدولة فيها أمر ولا نهي ولا سيطرة، بل السيطرة الكاملة فيها لمقيميها، لو كان لهم مثل ذلك لقالوا بوجوبها وصحتها، وذلك لقوله تعالى: {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ ...} الآية [الحج ٤١]، {وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ}[النور ٥٥].
  فكأن أئمتنا قالوا ما قالوا في الجمعة لاعتقادهم أن التمكن في إقامتها لا يكون إلا في ظل دولة إمام، ولم يكونوا يتصورون إمكان قيامها في غير ظل دولة إمام، واعتقادهم ذلك صادر عما يعيشونه من الظروف الطويلة المتعاقبة التي سيطرت سيطرة كاملة على ساحة البلاد الإسلامية.
  وعلى هذا فيكون التمكن من إقامتها شرطاً في وجوبها؛ فإذا حصل التمكن من إقامتها وجب إقامتها، سواء حصل التمكن بالإمام أو بغير إمام.
  ولم يظهر لي أن الإمام شرط في صحتها؛ لأن الأدلة على ذلك غير واضحة، وقد استدل ابن حريوة - رحمة الله عليه - على قول أهل المذهب - بأن الصحابة لم يقيموا صلاة الجمعة التي مات الرسول ÷ في رابعتها.
  والجواب: أن الرسول ÷ كان مريضاً والولاية في إقامتها إليه، وكان ÷ هو إمام الجمعة والجماعة في مسجده ÷، ولم يأمرهم بإقامتها، وليس لهم أن يقيموها إلا بإذنه.
  - وعلى هذا فتكون صلاة الجمعة كسائر الصلوات، إلا أنها تختص باشتراط الجماعة والخطبتين، وما ذكرناه يترجح بما فيه من الاحتياط.
  وقد خصّ الله تعالى صلاة الجمعة بمزيد العناية، وخصها بزيادة الأمر، فقال سبحانه: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ...}[الجمعة ٩]، وقال سبحانه: {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى}[البقرة ٢٣٨]، والصلاة الوسطى: هي الجمعة في يوم الجمعة، وفي سائر الأيام الظهر في الرواية الراجحة، وهي رواية الهادي #.