[فوائد القلم]
  فهذه فوائد يسطرها القلم بلعابه ويخطها في كتابه، وهو يقول بلسان حاله: لقد عظمت النعمة بي على البشر، وعمت المنة بي على أهل العلم والأثر، وعلى أهل البداوة والحضر، إلا أن نعمتي منسية، وذكر فوائدي وعوائدي منفية، لا في مجالس أهل العلم والذكر، ولا في مجالس أهل اللغو والجهل.
  ولقد نوه الله بعظيم نعمتي في أول سورة أنزلت من القرآن: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ ١ خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ ٢ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ ٣ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ٤ عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ ٥}[العلق]، ولعظيم المنة بي أقسم الله بالقلم وبكتابته فقال سبحانه: {ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ١}[القلم]، وقد روى نقلة الأثر - وإن كانت مُعَارَضة - حديثاً يقول: «أول ما خلق الله القلم ...»، وبي حفظت الشرائع والأحكام، وبي حفظ القرآن وحديث النبي ÷ وآثار الوصي وخطبه وعلمه وحكمه، وبي حفظت السيرة النبوية، وسير الصحابة وتأريخ الأولين والآخرين، وبي حفظت لغة العرب وشعرها وقصصها وأخبارها وتأريخها وأديانها وأنسابها و ... إلخ.
  وبي حفظت علوم الإسلام، وعلوم الأولين والآخرين، وبي تنعقد الولايات والإمارات، وتجيش الجيوش و ... إلخ، ولو ذهبت تعدد منني لكل لسانك، وأخذتك الملالة والإعياء قبل الوصول إلى غايتها، وأنّى لك ذلك؛ فسبحان الذي جعل فيّ للبشر ما لا يحصى من النعم، وجعل لهم في لعابي ولساني ما لا يستقصى من المنن.
  وها أنذا أدعوا وأنادي الناس بأن يشكروا هذه النعمة التي أنعم الله عليهم بها، وما أصدق الله حيث يقول: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا}[إبراهيم: ٣٤]، وصدق الله العظيم وهو أصدق القائلين في كل ما قال ويقول: {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا ٨٧}[النساء]. اللهم لك الحمد بمحامدك كلها على نعمك كلها بما فيها نعمة القلم، وصلى الله وسلم على محمد وآله الطاهرين.