العدل
  على أبي بكر بأن يجعل له في الخلافة نصيباً، فجعل أبوبكر ولاية الشام وجيوشه إلى يزيد بن أبي سفيان ولم تطل مدة يزيد، فلما مات يزيد جعل مكانه أخاه معاوية بن أبي سفيان، وجعل لأبي سفيان ولاية في المدينة، وولى أبوبكر أيضاً رجالاً من أعيان قريش وكبرائهم أيضاً مثل عكرمة بن أبي جهل، وخالد بن الوليد، وعمرو بن العاص، فاستقرت الخلافة، وهدأت الأوضاع، ومال الناس إليها بودهم ونصيحتهم بسبب ميل كبرائهم إليها ونصيحتهم لها، ولولا ذلك لما استقامت، ولا استقرت.
  ولما ولي علي بن أبي طالب الخلافة وبايعه المسلمون عرض نصحاؤه بأن يولي كبراء القوم مثل معاوية إلى أن يستتب له الأمر ثم يعزلهم، فلم يرض وقال ما معناه: لا أستحل أن أولي ظالماً، أو أقره على عمل لي طرفة عين.
  وحين قسم العطاء في أول أيام ولايته أنف كبراء قريش حين لم يفضلهم على من سواهم كطلحة والزبير، فلم تتم له الخلافة، ولم تستقر، فنكثت عليه طائفة، وقسطت أخرى، ومرق آخرون، والله المستعان على ما يصفون.
  وقد كان أمير المؤمنين # عارفاً بدواء داء الخلافة، إلا أنه # أراد أن يقيم العدل، وأن يجدد الأمر الأول الذي بلي ثوبه وكاد أن يُنسى أو قد نسي، وقد كان # على عهد من النبي ÷ أمر فيه بقتال الناكثين والقاسطين والمارقين، فلم يستحل # أن يصلح أمر الخلافة بمعصية الله، وظلم المسلمين.
  فجعل همه إقامة العدل، وتجديد الدين، ورفع راية الحق في كل صغير وكبير، وآثر في خلافته إرضاء الله تعالى على إرضاء الناس، ولم يبال بما سيلقى في خلافته في سبيل إرضاء الله تعالى، فقامت عليه الدنيا ولم تقعد، وتزلزت الأرض تحت قدميه، فمضى في سبيله ولم يبال.
  ولإيثاره العدل وإرضاء الله تعالى سلّت قريش سيوفها في وجه خلافته، وتبعها في ذلك أهل البصرة وكانوا جماً غفيراً، يقدر بنصف المسلمين في العراق، ثم انكفأ عليه