من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

فائدة (المسائل الفرعية الاجتهادية)

صفحة 16 - الجزء 1

  خلافات الأئمة في أحكام العبادات والمعاملات

  خلاف الأئمة والعلماء في مسائل الطهارة والصلاة وسائر العبادات والمعاملات خلاف لا يخل بالإيمان ولا يخدش في التقوى، وقد قال الإمام زيد بن علي # وهو يتحدث عن اختلافات أهل البيت $ في هذه المسائل الفقهية: (اختلافنا لكم رحمة) أراد # أنه لا حرج عليكم عند اختلاف أهل البيت في أن تأخذوا بقول ذاك أو بقول هذا أو ... الخ، فكل تلك الأقوال المتخالفة أقوال جائزة، من أخذ بقول منها أجزأه، فمن أخذ بقول زيد أجزأه، ومن أخذ بقول الهادي أجزأه و ... الخ، فقول زيد حق وصواب، وقول الهادي حق وصواب و ... الخ.

  ومذهب عامة علماء أمة محمد ÷ أن الخلافات في مسائل هذا العلم أمرها سهل يسير، لا حرج على المتخالفين فيها، وأن كل مذهب منها يجزي صاحبه، وقد قالوا: «كل مجتهد مصيب».

  لذلك فلا ينبغي ذم من يُرَبِّعُ في الأذان، أو يتوجه بعد التكبير، أو يجمع بين الصلاتين أو نحو ذلك من المسائل التي اختلف فيها أئمة الإسلام، والذي يلزم المسلم أن يتحرى في دينه غاية التحري فلا يأخذ دينه إلا من أوثق العلماء في نفسه، فيعمل بقوله، ثم لا يجوز له أن يُخَطِّئ من خالف ذلك، ولا ينبغي أن يأخذ المسلم مسائل الفقه من الكتب؛ لأن الفهم من الكتب قد يخطي ويصيب، ولكن يأخذ دينه من العلماء، وتماماً كما قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٤٣}⁣[النحل].

  نعم، ليس معنى ما ذكرنا هنا أنه يجوز للمسلم أن يتنقل في دينه بين المذاهب يوماً شافعي ويوماً حنبلي ويوماً مالكي ويوماً ... ويوماً ... الخ على حسب هوى نفسه وحسب شهوته، فإن ذلك مما بالغ العلماء في تقبيحه وذمه، وإنما المراد أن يتحرى المسلم في دينه فلا يأخذ إلا عن أوثق العلماء في نفسه فيعمل بقوله، من غير أن يخطئ من خالفه، وقد قال تعالى: {فَبَشِّرْ عِبَادِ ١٧ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ ١٨}⁣[الزمر].