كتاب الجنائز وما يتعلق بها
  لله تعالى؛ فمن ثبت قطعاً أنه من أصحاب الجحيم فلا تجوز الصلاة عليه، وأهل الكبائر هم من أصحاب الجحيم قطعاً.
  والمراد بالكبائر هنا: ما ورد الوعيد عليه بالنار قطعاً كالشرك بالله تعالى، وقتل النفس المحرمة، والفرار من الزحف، وقذف المحصنة، والزنا، وأكل الربا، وما أشبه ذلك مما وقع الإجماع على كبره.
  أما ما وقع الخلاف في كبره بين علماء المسلمين فلا يمنع من الصلاة عليه وإن كان عندنا كبيراً؛ وذلك لما تقدم من قوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ١١٣}[التوبة]، وقوله تعالى: {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}[التوبة ١٤]، والتبين لا يكون إلا فيما استحكمت فيه المعرفة واستوضحت غاية الوضوح، ومن هنا يؤخذ الدليل على قولهم: إنه لا يجوز التكفير والتفسيق إلا بدليل قاطع.
  فإن قيل: هناك حديث مروي عن النبي ÷ فيه الأمر بالصلاة على من قال: (لا إله إلا الله)، وخلف من قال: (لا إله إلا الله).
  قلنا: الحديث غير صحيح عند المحدثين كما أفاده الجلال في ضوء النهار، ثم نقول على فرض صحته: إنه عام مخصوص بما تقدم، فيكون التقدير: صلوا خلف من قال: (لا إله إلا الله)، وعلى من قال: (لا إله إلا الله) إلا على من تبين أنه من أصحاب الجحيم، أو من تبين أنه عدو لله فلا تصلوا عليه ولا خلفه.
  فإن قيل: ما ذكرتم من الآيات وارد في المشركين ولا كلام لنا حولهم، وكلامنا هو في عصاة الموحدين، وليسوا بمذكورين في الآية.
  قلنا: التعليل في الآيتين وهو: {مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ ١١٣}[التوبة]، {فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ}[التوبة ١٤] - يؤذن بعموم الحكم على كل من تحققت فيه هذه العلة وإن كان الحكم خاصاً، وما ذلك إلا بمنزلة أن يقول الطبيب للمريض: لا تشرب العسل لحلاوته؛ فإن المريض وكل عاقل يفهم من مثل هذا الخطاب أنه لا ينبغي للمريض أن يأكل السكر أو يشرب العصيرات الحالية، والأصوليون في مثل هذا بين قولين اثنين: