فائدة في مقدار ما يأخذ الفقير:
  هذا، وقد يستدل على ما ذكرت من أن العلة في شرع الزكاة هو سد حاجة الفقراء، قد يستدل على ذلك بقوله تعالى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ ...} الآية [التوبة ٦٠]، فنبه الله تعالى أن الزكاة تستحق للفقراء من أجل الفقر، والفقر هو الحاجة.
  فإن قيل: إذا أُعْطِيَ الفقير نصاباً أو أكثر صار غنياً، والغني لا تجوز له الزكاة.
  قلنا: إنما صار غنياً بعد ملكها، وهذا هو مقصود الشارع، فقد فرضها الله تعالى للفقراء ليستغنوا بها عن الناس، ويتصونوا بها عن الابتذال، ويدفع بها عنهم الحاجة والفاقة.
  هذا، ويتقوى ما ذكرنا: بقول أهل المذهب: «إنه يجوز للإمام أن يعطي الفقير ولو أنصباء كثيرة ولو علموا أنه زكاة». كما في الحواشي(١).
  إلا أنه يشكل على ما ذكرنا ما روي عن أمير المؤمنين # من أنه لا يعطي الفقير أكثر من مائتي درهم، وفي رواية من خمسين درهماً.
  فيمكن أن يقال: أما رواية: أنه لا يعطي أكثر من خمسين درهماً - فقد قال كثير من العلماء: إن المراد بذلك السائل إذا سأل من الزكاة فلا يعطى أكثر من خمسين، والسر في ذلك - والله أعلم - أن الذي تعود على السؤال لا يعطى أكثر من خمسين لأن له في السؤال ما يدفع الحاجة، فلا تلحقه حاجة مع اعتياده للسؤال، فله فيه كفاية، وبه تسد خلته.
  وأما رواية: أنه لا يعطى أكثر من مائتي درهم - فلعل للفقير فيها كفاية كافية للسنة، مع ما كان يأخذه من زكاة التمر والإبل والبقر والغنم وغيرها، فإذا أخذ الفقير من الدراهم مائتين، ومن التمر والإبل والبقر والغنم والحبوب قدراً فلعل
(١) شرح الأزهار ١/ ٥١٠.