[كتاب الحج والعمرة وما يلحق بهما من أحكام]
  فإن قيل: إنه لا يجب التداوي لأجل القيام بالواجبات، ولكنه يجب التداوي لما فيه من دفع البلاء عن النفس.
  قلنا: التداوي مشروع لا شك في ذلك، أما وجوبه ففيه - كما يظهر لي - تفصيل، وذلك أن المرض النازل بالمريض إن كان يخشى منه الموت، أو يخشى منه نقص كالعمى والصمم أو الجنون أو ما يشبه ذلك، وكان يرجو المريض في التداوي شفاءً، وهو مع ذلك متمكن من المعالجة - وجب عليه التداوي والمعالجة.
  وإن كان المرض من الأمراض التي لا يخشى منها شيء من ذلك سوى بطء الشفاء - فلا يجب التداوي، وكل ذلك راجع إلى ظن المريض، ودليل المسألة قوله تعالى: {وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}[البقرة ١٩٥]، وما استقر في العقول من وجوب دفع الضرر عن النفس.
  فإن قيل: إن الله سبحانه وتعالى قد دعا إلى الصبر والرضا عند نزول البلاء وحث عليه في قوله: {وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ١٥٥ الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ ١٥٦ أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ١٥٧}[البقرة]، ولم يذكر تعالى التداوي، بل دعا سبحانه وتعالى إلى التفويض إلى الله والصبر والرضا ونحو ذلك كثير.
  قلنا: التداوي والمعالجة لا تنافي الصبر والرضا والتفويض، فبإمكان المريض أن يجمع بين ذلك وبين التداوي، وقد كان رسول الله ÷ يتداوى، وكذلك الصحابة والعلماء إلى يوم الناس هذا.
  نعم، ما يحسن ذكره هنا أن نقول: إن بعض من يطول به البلاء واستعمال العلاج قد يتضجر ويشتد عليه الضيق فيتمنى الموت، ولا يرضى أن يتعالج، فهل ذلك مما ينافي الصبر والرضا والتفويض؟
  قلنا: السآمة والتضجر والضيق من طبائع البشر لا يمكن التخلص من ذلك، فإذا سئم المبتلى وتضجر من طول البلاء النازل به وتمنى لذلك نزول