من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[كتاب الحج والعمرة وما يلحق بهما من أحكام]

صفحة 290 - الجزء 1

  الموت فلا حرج كما يظهر لي في ذلك، ولا ينافي ذلك الصبر والرضا والتفويض؛ وذلك أن المؤمن في مثل تلك الحال الشديدة إنما يتمنى الموت لما له فيه من الفرج؛ إذ يتخلص بسببه من شدّة الآلام، وينفس به على أهله من استثقال تمريضه، ويصل به إلى لقاء الله وثوابه، وقد كان أمير المؤمنين # - كما في بعض خطبه في نهج البلاغة - يظهر الشكوى مما هو فيه من رعيته، ويتضجر منهم، ويتمنى مفارقتهم، ويدعو بذلك ويقول ما معناه: (اللهم أبدلهم بي شراً مني، وأبدلني بهم خيراً منهم)، وكان يظهر منه استبطاء «أشقى الأمة⁣(⁣١)»، إلى غير ذلك، فلم يكن ذلك منه # كقوله: (اللهم إني قد مللتهم وملوني) ضعفاً في الصبر والرضا والتفويض، فكذلك ما ذكرنا.

  أما قول النبي ÷: «لا يتمنى أحدكم الموت لضرٍّ نزل به» ... الحديث، فالقول فيه: إن تمني الموت يكون على وجهين:

  الوجه الأول: هو ما ذكرنا في المؤمن من أن تمنيه للموت هو لما له فيه من الفرج والراحة ولقاء الثواب، والتخفيف على أهله حيث يشعر أنهم يستثقلون طول تمريضه، وهذا مع حسن ظنه بعفو الله ومغفرته، وقوة رجائه في ذلك، ومع الرضا عن الله فيما قضى.

  الوجه الثاني: أن يتمنى المبتلى الموت جزعاً من صدمة البلوى وشدتها من غير نظر إلى ما سوى ذلك، وإنما ليتخلص من البلاء، فمثل هذا هو الذي ورد النهي فيه.

  فإن قلت: الوجهان متقاربان حيث إن تمني الموت فيهما للتخلص من البلاء.

  قلت: تمني الموت في الوجه الأول يكون لعدة أمور يحسن عند حصولها تمني الموت:

  ١ - الفرج والرحمة. ٢ - شعوره باستثقال أهله لطول تمريضه. ٣ - لقاء الثواب مع قوة رجائه في المغفرة والرحمة.


(١) ابن ملجم لعنه الله.