[حكم الحاج المتشكك في وقت يوم عرفة]
  فإن قيل: لم حكمتم بصحة ذلك مع أن سائر العبادات إذا انكشف الخطأ في أنها فعلت في غير وقتها لا تصح إلا قضاءً؟
  قلنا: سائر العبادات يتيسر إعادتها وقضاؤها على المكلف بخلاف الحج فإن المكلف لا يمكنه القضاء إلا بخسائر مالية كبيرة، وعناء شديد، وقد لا يمكنه على الإطلاق، وقد لا يتهيأ الحج ويتيسر للمكلف إلا مرة في عمره، فلذلك خالف سائر العبادات.
  وبناءً على ما ذكرنا في الرقم الخامس فيكون حكم الحاكم بيوم عرفة مع المنع من الوقوف قبله أو بعده مبرراً للوقوف مع الناس ومجزياً.
  الأثر السابق: «الفطر يوم يفطر الناس، والأضحى يوم يضحي الناس»، رواه الترمذي عن عائشة، وقال: حسن، ورواه أيضاً عن أبي هريرة، وقال: حسن، ورواه أبو داود وابن ماجه، ورواه الترمذي من حديث عائشة وصححه ورواه الدارقطني وأبو نعيم في المعرفة.
  وقال في سبل السلام: وكذا في الحج لأنه ورد: «وعرفتكم يوم تعرفون».
  فإن قيل: ما ذكرتم فهو للمتردد في يوم الوقوف، فما حكم حج المتيقن ليوم عرفة مع وقوف الناس في غيره، ومنع الدولة لمن يريد أن يقف في غير ما أعلنت فيه الوقوف؟
  قلنا: يكون منع السلطة عذراً يصح معه الوقوف مع الناس، ودليل ذلك قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦]، وهذا الحاج الذي تيقن يوم عرفة قد أدى مستطاعه من النفقات والسفر للحج، ووقف مع الناس، ومنع من إعادة الوقوف، فما منع منه وحيل بينه وبينه يسقط عنه وجوبه، وعليه أن يكمل المناسك المستطاعة.
  فإن قيل: قد جاء: «الحج عرفة» ولا خلاف أن الوقوف ركن من أركان الحج لا يتم إلا به، وقد قال أهل العلم: من فاته الوقوف بعرفة فاته الحج،