[كتاب الحج والعمرة وما يلحق بهما من أحكام]
  وعليه أن يتحلل من إحرامه بعمرة؛ فكيف أخرجتم من ذكر من هذا الحكم، وحكمتم بصحة حجه؟
  قلنا: لأن من ذكرنا قد أدى مستطاعه، ولم يفته الوقوف لأمر يعود إلى قدرته واستطاعته، بل فاته لأمر خارج عن قدرته وطاقته واستطاعته فخالف حكمه حكم من فاته الوقوف لغير ذلك.
  فإن قيل: فيلزم ذلك في المريض.
  قلنا: بإمكان المريض أن يقف ولو كان فاقد الوعي، يقف به أصحابه، بخلاف من ذكرنا.
  ويؤيد ما ذكرنا: الحديث السابق، وقد ذكر في سبل السلام عن محمد بن الحسن الشيباني: يجب موافقة الناس وإن خالف يقين نفسه.
  قال أهل المذهب: إذا انكشف الخطأ بعد التحري صح الوقوف.
  قلت: التحري هو النظر في القرائن والأمارات، مثل كبر الهلال وصغره وغروبه، وهذا لمن يعرف المنازل، أما من لا يعرفها فيكفيه سؤال أهل المعرفة.
  توضيح الأمر الثاني: وهو أن أهل المذهب وسائر أهل المذاهب الإسلامية قالوا: إن من وقف بتحرٍّ ثم انكشف خطؤه بعد ذلك - أن وقوفه صحيح، ولم يوجبوا عليه أن يقف يومين، وإنما حكموا بصحة الوقوف والحج؛ لأنه قد أدى ما في وسعه في إصابة يوم الوقوف، وقد قال الله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة: ٢٨٦].
  ودليل صحة ما قاله أهل المذاهب في هذا: ما ثبتت به الرواية في سبب نزول قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ١١٥}[البقرة]، أنها نزلت في قوم التبست عليهم جهة الكعبة وهم في ليلة مظلمة فقال قوم: جهة الكعبة في هذه الجهة، وقال آخرون: بل في هذه الجهة، وقال فريق: بل هنا؛ فصلى كل ناس إلى جهة، وخط كل منهم خطاً في