فائدة في القران (الحج والعمرة معا):
  سوق الهدي لا يختص القارنين الحج إلى العمرة، بل هو مشروع لكل زائر للبيت الحرام سواءً أكان قارناً أم مفرداً أم معتمراً عمرة مفردة.
  وقد كان أكثر المسلمين - كما يظهر لي - محرمين بحجة مفردة؛ لأنهم كانوا لا يعرفون من قَبْلُ القران ولا التمتع بالعمرة إلى الحج، بل الذي كانوا يعرفون أن العمرة لا تجوز في أشهر الحج، فأراد ÷ أن يبطل ذلك العهد المعروف فأمر ÷ من لم يسق الهدي أن يجعل إحرامه على عمرة، وقال ÷: «دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة» أو كما قال ÷.
  فجعل أهل المذهب ذلك خاصاً بمن أحرم قارناً من غير أن يسوق هدياً، وظاهر الرواية العموم للمفرد والقارن، بل إنها في المفرد أظهر؛ لما ذكرنا من أن الناس كانوا لا يعرفون القِران ولا التمتع، وإنما كانوا يعرفون حج الإفراد.
  فقولهم «إنه إذا وضع إحرامه على حجة صحت الحجة، ولا تجزئ عن حجة الإسلام» فيه نظر؛ فإنها إذا صحت أجزت عن حجة الإسلام مع النية، وقد أدى فاعل ذلك ما أمر الله به في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}[آل عمران ٩٧].
  ويزيد ما ذكرنا تأييداً: أن النبي ÷ لم يَأْمُر من حاض من النساء اللآئي لم يفسخن إلى العمرة بحجةٍ أخرى للإسلام، ولم يبين ذلك مع أن المقام مقام تبيين.
  والذي يظهر - والله أعلم - أن السَّوْق ليس بشرط لصحة القران.
  فإن قيل: إن النبي ÷ حج قارناً الحج والعمرة وساق الهدي، وقد قال ÷: «خذوا عني مناسككم» فيكون السوق شرطاً في صحة القِران.
  قلنا: السوق فضيلة في العمرة وفي كل نوع من أنواع الحج، وليس بفريضة، والدليل على ذلك: أن المسلمين الذين حجوا مع النبي ÷ كانوا يلبون كما يلبي النبي ÷ ويقتدون به في أعمال حجه ذلك، وأكثرهم لم يسق هدياً إلى البيت.
  فلذلك أمر النبي ÷ من لم يسق الهدي بالفسخ إلى العمرة؛ فدل ذلك