في فعل الفاحشة حال الحج:
  وبدليل ما روي أن النبي ÷ قال للمرأة التي شكت عليه الضعف وهي تريد الحج فقال لها ÷ قولي: «ومحلي حيث حبستني» وقد قال أهل المذهب كما في الأزهار وشرحه: إن من أدخل نسكاً على نسك أنه يتعين عليه رفض أحدهما.
  وقد تحلل أهل الحديبية من إحرام العمرة التي دخلوا في حرمتها حين صدهم المشركون عن دخول مكة والتي قال تعالى فيها: {هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ}[الفتح ٢٥]، وقال جل شأنه: {فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ}[البقرة ١٩٦]، فمن هنا قلنا: إن رفض الحج والعمرة جائز في الجملة.
  وبناءً على ذلك فإن هذا الرجل قد ارتكب جريمة عظيمة لا تكفرها الدماء، ثم ارتكب جريمة دونها وهي الخروج من الحج ورفضُه، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ ٩٤}[المائدة]، فلم يذكر تعالى كفارة على المعتدي سوى العذاب الأليم.
  فهذا الرجل قد ارتكب جريمة أكبر من جريمة المعتدي على الصيد، والدليل أنها أكبر: أن الزنا محرَّم قبل الإحرام وبعد الإحرام، بخلاف الصيد فإنه محرم حال الإحرام دون ما قبله وما بعده.
  ونزيد في الاستدلال فنقول: قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ ٢٥}[الحج]، فذكر سبحانه أن الذنب الذي يقترفه صاحبه في الحرم جزاؤه العذاب الأليم، ولم يذكر تعالى كفارة.
  وقال سبحانه: {وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ٢}[المائدة].
  وقال جل شأنه وتعالى سلطانه: {فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا