[باب الربويات]
  بيان ذلك: أن الله سبحانه وتعالى إنما حرم الربا وما يلحق به من البيوعات التي ورد النهي عنها لما فيها من الظلم الذي هو أكل أموال الناس بالباطل بدليل قوله تعالى: {وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ ٢٧٩}[البقرة]، والزيادة التي يشترطها البائع ويزيدها في الثمن لأجل المدة هي من الظلم ومن أكل أموال الناس بالباطل، والدليل على ذلك: أن الله سبحانه وتعالى حرم ربا النسيئة، وهو الزيادة على رأس المال مقابل الزمان، والبيع المذكور هو في الحقيقة كذلك.
  والدليل على أنه لا يجوز مقابلة الزمان بالمال مع ما ذكرنا في ربا النسيئة قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}[البقرة]، فإذا عرفنا أن الله تعالى إنما حرم ذلك من أجل ما فيه من الظلم وأكل أموال الناس بالباطل فإنه يستوي في تحريم البيع ما ذكر فيه الشرطان وما أضمرا فيه.
  وبناءً على ذلك فيحرم البيع المذكور في السؤال؛ لما فيه من الظلم الذي هو أكل المال بغير حق، اللهم إلا مقابلته بالزمان، وقد عرفت مما تقدم تحريم الزيادة في مقابلته.
  فيحرم حينئذ الدخول في مثل هذا البيع على البائع والمشتري، وقد يجوز للمشتري الدخول في مثل هذا البيع إذا اضطر إلى ذلك اضطراراً دون البائع فإنه لا ضرورة في حقه فلا يجوز له الدخول فيه على الإطلاق، وذلك لقوله تعالى بعد ذكر بعض المحرمات: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}[الأنعام ١١٩]، {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ ٣}[المائدة]، وفي الأثر المعروف: «عند الضرورة تباح المحظورات»، وقال تعالى: {مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ}[الحج ٧٨]، {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة ١٨٥].
  نعم، المسألة خلافية غير أن الاحتياط هو فيما ذكرنا، وذلك للسلامة بيقين من الدخول في وعيد آكل الربا من الكتاب والسنة، وفي الحديث: «المؤمنون وقافوق عند الشبهات»، وفيه أيضاً: «دع ما يريبك إلى ما لا يريبك ..».