[باب الربويات]
  هذا، وأما ما قد وقع من تلك البيوع ومضى فإن كان ما وقع عن جهل بالتحريم فإنه لا حرج في ذلك، ويحكم له بالصحة؛ وذلك لأن الزيت ليس من الأجناس المنصوص عليها التي اتفق العلماء على تحريم التفاضل فيها والنسأ، وإنما هو من المسائل التي ألحقت بالمنصوص عليه، ولم يتفق العلماء على تحريم الملحق بذلك، بل وقع فيه خلاف، وقد قرّر العلماء أن العامي إذا فعل شيئاً معتقداً لجوازه ووافق فعله ذلك مذهب مجتهد من المجتهدين فإنه يحكم له بالصحة، وقد قال تعالى: {فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ}[البقرة ٢٧٥]، وهذا إذا استوت التركيبة في البدلين، أمّا إذا اختلفت فيجوز التفاضل فيها.
[حكم المحتكر]
  قال أهل المذهب: إن المحتكر يكلف ببيع القوتين - أي: قوت الإنسان وقوت محترم الدم من البهائم - ولا يكلف بسعر معين، بل له أن يبيع بأي سعر شاء، ولا يجوز التسعير عليه.
  ثم قالوا في سائر المبيعات: إن التسعير فيها جائزٌ رعايةً لمصلحة الناس، ولا يُكلَّف البيع(١).
  قلت: ولعل الوجه في التفريق بين المسألتين: أن تكليف المحتكر للبيع في مسألة القوت إنما جاز ووجب لحفظ النفوس المحترمة، وحفظ النفوس واجب. وقد جاءت السنة بتحريم الاحتكار، وحرق أمير المؤمنين مال المحتكر جزاءً على فعله.
  أما عدم جواز التسعير في هذه المسألة فلعل الوجه ما روي أن النبي ÷ امتنع عن التسعير لما سألوه أن يسعر، وقال ما معناه: «إني أرجو أن ألقى الله تعالى وليس عندي لأحد مظلمة»، وجاء عنه ÷: «لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه».
(١) شرح الأزهار ٣/ ٨١.