[متى يصح الرجوع عن الوقف]
  قلت: المصرف الذي فيه قربة هو ما ذكره الله تعالى في كتابه وأمر بالإحسان إليه، وذلك الوالدان والأقارب والجيران والفقراء والمساكين واليتامى وأبناء السبيل والصاحب بالجنب، والأسير، أما الذمي والفاسق فلا قربة فيهما.
  فإن قيل: قد قال الله تعالى: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ ٨}[الممتحنة].
  قلنا: الذي يظهر لي والله أعلم أن الصحابة كانوا يتحرزون من الإحسان إلى الكفار على الإطلاق، ولو كانوا آباءهم أو إخوانهم أو أزواجهم أو عشيرتهم، فأخبر الله سبحانه وتعالى أنهم غير ممنوعين من الإحسان إلى أقاربهم المشركين الذين لم يقاتلوهم، ولم يخرجوهم من ديارهم.
  فإن قيل: إن الله قد أمر بالإحسان مطلقاً فقال: {وَأَحْسِنُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ ١٩٥}[البقرة]، وجاء في الأثر: «اصنع المعروف إلى أهله وإلى غير أهله فإن كان أهله فذاك وإلا فأنت أهله»، هذا معنى الأثر.
  قلنا: الإحسان ينقسم إلى قسمين:
  الأول: الإحسان الخاص.
  الثاني: الإحسان العام.
  أما الإحسان الخاص: فهو ما اعتنى الشارع ببيانه وحث على الإنفاق فيه بخصوصه، كما في قوله تعالى: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ ..}[النساء ٣٦]، وكالإنفاق في سبيل الله في نحو قوله تعالى: {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ ..}[البقرة ٢٦١]، و {لِلْفُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ ..}[الحشر ٨]، وفي قوله تعالى: {وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ ١٢ فَكُّ رَقَبَةٍ ١٣ أَوْ إِطْعَامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ ١٤ يَتِيمًا ذَا مَقْرَبَةٍ ١٥ أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ ١٦}[البلد]، {كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ ١٧ وَلَا تَحَاضُّونَ عَلَى طَعَامِ الْمِسْكِينِ ١٨}[الفجر].