من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

فائدة في التماثيل

صفحة 76 - الجزء 1

  وقد قال إبراهيم # لقومه كما حكاه الله عنه: {مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ الَّتِي أَنْتُمْ لَهَا عَاكِفُونَ ٥٢ ...} إلخ الآيات [الأنبياء]، ثم إنه ~ ذهب إلى أصنام قومه فطفق يضربهم ويكسرهم بيمينه، {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ ٥٨ ...} إلخ [الأنبياء].

  أما التماثيل المحرمة ظنًّا: فهي تماثيل الحيوانات التي لا يراد بها العبادة، بل يراد بها غيرها، فالأمر في إنكارها ليس كالأمر في إنكار القسم الأول، وذلك أن دليل تحريمها والنهي عنها ليس قطعياً بل ظنيًّا.

  فاللازم الإنكار في هذا بالإرشاد والنصيحة، ولا يجوز الإنكار بالتكسير والضرب والقتال؛ وذلك لأن أعراض الناس ودماءهم وأموالهم محرمة قطعاً، فلا يجوز ترك هذا القطعي بدليل آحادي ظني.

  بالإضافة إلى أن هذا الدليل الظني يحتمل أن يراد به النهي عن التماثيل التي يراد بها العبادة، ويحتمل أن النهي عن التماثيل الوارد في الأحاديث إنما جاء لأن الناس كانوا حديثي عهد بعبادة الأصنام والأوثان؛ فإذا رأوها أشرقت لها نفوسهم، ومالت إليها قلوبهم، وذلك لما كان لهم بها من الإلف الطويل، والمحبة العريقة، والعلاقات الوثيقة، فحين بعث الله النبي ÷ بالإسلام وتَرْكِ عبادة الأصنام ودخَل الناس في الدين أراد النبي ÷ أن يقطع تلك العلائق تماماً، وأن يفطم الناس عما ألفوه فطماً، وأن يميت المحبة التي عهدتها النفوس وألفتها؛ فنهى ÷ عن الصور والتماثيل، وعن اتخاذها، وعن إدخالها البيوت؛ وذلك سداً للذريعة، واحترازاً عما قد يداخل تلك القلوب من الحنين إلى الإلف المألوف، والميل والشوق إلى العهد القديم؛ فإن النفوس بطبيعتها تَضْعُفُ عند رؤية ما يذكرها، وتَرِقُّ.

  وكم في أشعار العرب وحكاياتها عند تذكر أيام الصبا، أو عند رؤية منازل الإخوان والأحباب أو رؤية آثارهم ونحو ذلك، وهذا شيء وجداني يدركه الإنسان.

  نعم، إنما حملنا النهي الوارد على ما ذكرنا لأنه لم يظهر لنا أن النهي عن