من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[يجوز لصاحب الحق أن يرشي لأخذ حقه]

صفحة 271 - الجزء 2

  المشركين في غزوة الخندق بعض ثمار المدينة من أجل أن يرجعوا عن المسلمين في غزوتهم تلك، وأعطى المؤلفة قلوبهم من المشركين في يوم حنين ليرغبهم في الإسلام وليدفع بذلك شرهم، وجعل الله تعالى لهم في كتابه الكريم نصيباً من الزكاة.

  هذا، وغاية ما في الأمر أنه لا يجوز للحاكم أن يأخذ مالاً ليحكم بالحق؛ لما ثبت أنه لا يجوز أخذ الأجرة على الواجب في نحو قوله تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}⁣[البينة ٥]، ونحو قوله تعالى: {فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا ١١٠}⁣[الكهف].

  سؤال: هل يجوز للمسلم أن يرشي الحاكم ليحكم له بالحق؟

  الجواب والله الموفق: أن الحق الذي يراد استخراجه بالرشوة إن كان قطعياً فيجوز استخراجه واستفداؤه بالرشوة، ونعني بقولنا «قطعياً» أن يعلم الراشي أن الحق المتنازع فيه ملك له علماً ضرورياً لا شك فيه، أو يعلم أنه أولى به من غيره كنصيب من ميراث أو نحوه، فإن الظاهر أن ما تركه الميت قد كان ملكاً له، وهذا مع عدم من ينازع في تركة الميت أو في شيء منها.

  وإن كان الحق المتنازع فيه على غير ما ذكرنا فلا تجوز الرشوة؛ لاحتمال أن الحق للغير، وهو الطرف الآخر؛ وذلك لقوله تعالى: {وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ ١٨٨}⁣[البقرة]، ومن هذه الآية يؤخذ الدليل على القسم الأول، وهو جواز الرشوة لاستخراج الحق المعلوم.

  ووجه دلالة الآية على ما قلنا: أن قوله تعالى: {وَتُدْلُوا بِهَا} معطوف على: {تَأْكُلُوا}، فهو داخل في حيز النهي، وقد تقرر عند أهل العلم أن النهي يتوجه إلى القيد، وقوله تعالى: {لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ} قيد للفعل المنهي عنه، وهو: {تُدْلُوا}.

  وبناءً على ذلك فلا يكون الإدلاء بالمال منهياً عنه إلا إذا وقع على هذا الوجه.