من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[حكم ملتقط ورقة نقد]

صفحة 311 - الجزء 2

  قلت: الذي يظهر لي - والله أعلم - قوة القول الثالث، وهو أنه يجب الرد إذا غلب في الظن صحة دعوى الرجل، وتبرأ ذمة الملتقط بذلك إن لم ينكشف كذبه، فإن انكشف كذبه بأن جاء رجل آخر يدعيها، وجاء ببينة عادلة أو بما يدل على أنها ملكه، ففي هذه الحال يضمنها الملتقط.

  وإذا أراد الملتقط السلامة من التضمين فليشترط الملتقط على الرجل المدعي للقطة الواصف لها الضمان إذا انكشف وجود صاحبها، أو أنه لا يسلمها إليه إلا بأمر الحاكم.

  وإنما اخترنا المذهب الثالث لوجوه:

  ١ - أنه قد جاء في القرآن ما يؤخذ منه العمل بالقرائن، كقوله تعالى: {إِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكَاذِبِينَ ٢٦ وَإِنْ كَانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ ٢٧ ...} إلخ الآيات [يوسف]، وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ ...} الآية [الممتحنة ١٠].

  ٢ - ما ورد في السنة من أن النبي ÷ رد الدينار الذي التقطه علي #، ولم يرو أنه ÷ سأل الناشد له البينة.

  ٣ - ما ثبت أنه يجب العمل بالظن الغالب في دين الإسلام.

  ٤ - يقال لأهل المذهب الأول وهم الذين يقولون: لا يجوز الرد ولو غلب في الظن صدق المدعي: إن البينة لا تثمر إلا الظن، وأنتم قد أوجبتم الرد بالبينة، فإذا كان الوصف يفيد ما تفيده البينة أو أكثر مما تفيده فما هو المانع حينئذٍ من وجوب الرد؟

  فإن قيل: المانع من ذلك هو قيام الاحتمالات، وهناك مانع آخر وهو أنه لا يجوز العمل بالظن في مال الغير.