من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

الطريق إلى الشهادة بعدالة الشهود

صفحة 376 - الجزء 2

  وقد اختلف العلماء في ماهية العدالة ومعناها على مذهبين:

  ١ - استقامة المكلف على فعل الطاعات واجتناب المحرمات، وترك ما يذم به من الشبهات أو ما يخل بالمروءة؛ فمن كان كذلك فهو العدل الذي تقبل شهادته.

  ٢ - أن العدالة هي التصون والترفع عن مذمة الكذب فمن عرف بذلك فهو عدل، ولا يخل بعدالته تقصيره بطاعة الله، ولا فعل المعاصي.

  والراجح عندي: هو المذهب الأول وهو الظاهر من مذاهب علمائنا.

  والمذهب الثاني هو مذهب المحدثين من أهل السنة، بدليل تصحيحهم لرواية الخوارج والروافض والنواصب، فالمعتمد عند أهل هذا المذهب هو أن يكون الراوي مظنة للصدق، ومن كان من الرواة مظنة للتهمة فلا تقبل روايته؛ لذلك يروون عن الخوارج إذا عرفوا منهم تحري الصدق، ويحيدون عن رواية بعض أهل مذهبهم إذا كان مظنة للكذب.

  هذا هو أصل مذهبهم في عدالة الرواة، ولكنهم يخالفونه إذا عرض لهم الهوى فيجرحون ذوي الصدق والثقة إذا روى فضائل أمير المؤمنين أو أهل البيت $.

  ومبتنى المذهب الأول على أن العدالة حصول أهلية في الراوي هي الالتزام بالتقوى، واجتناب الرذائل وما ينافي المروءة، فإذا حصلت هذه الأهلية في الراوي قبلت روايته، وإن سلبت منه هذه الأهلية ردت روايته، ولم يجز الاعتماد عليها، ولو كان من المعروفين بالصدق، والمتصونين عن الكذب.

  وكما قلنا فهذا هو المذهب الراجح، بدليل قوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ٦}⁣[الحجرات].

  فأمر الله تعالى المؤمنين بأن يتبينوا خبر الفاسق، ومعنى ذلك هو ترك العمل به حتى يظهر لكم صحته أو فساده من جهات أخرى، وعلل الله ذلك بأن خبر الفاسق جهالة تتبعها ندامة.