(شهادة فاسق التأويل)
  وفسر فاسق التأويل قبل ذلك فقال: كالبغاة والخوارج، وذكر في الحاشية الروافض.
  قلت: أما الخوارج والناكثون والقاسطون فقد جرحهم النبي ÷، وصح أن النبي ÷ أمر بقتالهم، وأنه قال في علي: «إنه لا يحبه إلا مؤمن ولا يبغضه إلا منافق»، وغير ذلك كثير.
  وأما الروافض فكذلك جرحهم النبي ÷ كما في الحديث المشهور عن زيد بن علي @، وهذا الجرح المروي عن النبي ÷ مما يخل بالعدالة وينافيها.
  وقد يقال: إن ذلك لا ينافي العدالة؛ لمكان الشبهة.
  قلنا: ليس الأمر كما قلتم، فإن الشبهة قد أخلت بالإيمان، والعدالة هي من توابعه، والدليل على أنها أخلت بالإيمان أمور:
  ١ - أنه لا يقال فيمن كان كذلك إنه مؤمن لا تصريحاً ولا تأويلاً عند أهل العدل.
  ٢ - وجوب معاداته. ٣ - حل دمه.
  فلو كان فاسق التأويل مؤمناً لما جاز ذلك في حقه، فعلمنا حينئذ أنه خلي من الإيمان تماماً.
  نعم، من هنا يظهر أن للعدالة معنيين:
  أحدهما: ما ذكرنا، وهو صفة ينتجها الإيمان وتتفرع عليه، فإذا انتفى الإيمان انتفت تلك الصفة، وإذا وجد وجدت، وهذا مذهب من يقول: إن الفسق سلب أهلية.
  ثانيهما: اتصاف المكلف بتحري الصدق وتجنب الكذب مع الإسلام، وهذا مذهب من يقول: إن الفسق مظنة تهمة؛ فإذا انتفت التهمة عن المكلف فهو عدل يقبل خبره وشهادته وإن كان فاسقاً.
  فأهل المذهب أخذوا بطرف من المذهب الأول وطرف من المذهب الثاني، فردوا شهادة فاسق الجارحة مطلقاً، وهذا بناء على أن فسق الجارحة سلب أهلية، وأجازوا شهادة فاسق التأويل؛ بناءً على أن فسقه مظنة تهمة تنتفي بما إذا