من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

كتاب الوكالة والكفالة

صفحة 400 - الجزء 2

  فبناءً على ذلك فإن القطاع في القبيلة كلها لم يخرج عن وجه الحسن، وقد قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ}⁣[البقرة ١٩٤].

  فإن قيل: قد يكون لأفراد القبيلة عذر في كفه عن العدوان وحمله على الإنصاف كالضعف أو الخوف أو نحو ذلك مما يعذرون به عند الله تعالى، فيكون القطاع في حقهم ظلمًا.

  قلنا: إن أفراد القبيلة وإن عذروا بمثل ما ذكرتم فإنهم لا يعذرون بإعلان البراءة من ذلك المعتدي وإخراجه من الحلف والصحب كما جرت به العادة في القبائل، فإنهم إذا أعياهم الرجل منهم تبرأوا منه، وأعلنوا ذلك في الأسواق.

  وبعد البراءة من الشخص فإن أفراد قبيلته لا يعترضون عليه، فإن لم تفعل القبيلة ذلك فإنها مسؤولة عن أعمال ذلك الشخص، وهكذا قضت الأعراف.

  والذي أرى أنها لم تخالف أحكام الشرع، فإن الله سبحانه وتعالى قد قال في كتابه الكريم: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}⁣[المائدة ٢]، وقال: {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ}⁣[المائدة ٧٩]، إلى غير ذلك من الآيات في هذا الباب.

  هذا، وكل ما ذكرنا إنما يحسن ويجوز بشروط:

  الأول: أن لا يستنفع من أموال المقاطَع فيهم بشيء أصلاً.

  الثاني: أن يحافظوا على أموالهم من النقص والإتلاف والضياع.

  الثالث: أن يردوا كل ما حبسوا على المقاطَع فيهم.

  الرابع: ألَّا يضربوا ولا يجرحوا ولا يقتلوا في قطاعهم.

  الخامس: غياب العدل والإنصاف عن الساحة.

  السادس: أن يتمرد الغريم عن الإنصاف، ويتمرد أصحابه عن حمله على الإنصاف.

  نعم، إنما رأينا هذا الرأي لما ثبت من القواعد العامة التي تقول: إنه يجب حمل المسلمين في معاملتهم على الصحة، وإنه يجب حمل المسلم على السلامة مهما وجد