من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

باب الصلح

صفحة 409 - الجزء 2

  والكلام بالحق إنما هو إذا تعذر الفصل، وتشاحح الخصمان على محض الحق، ولم تطب أنفسهما بالتسامح، وقد رأى النبي ÷ رجلاً يلازم آخر في دين ويطالبه بقضائه، فأشار ÷ إلى الرجل بأن يأخذ نصف دينه ويضع النصف الآخر، فرضي الرجل، هذا معنى الرواية.

  وفي قصة محاكمة الزبير والأنصاري عند النبي ÷ ما يدل على جواز الصلح مع تبين الحق للحاكم، وهكذا ما في قصة مصالحة سودة للنبي ÷، فإنها تنازلت في هذا الصلح عن حق ثابت لها، وتنازل ÷ عن حق ثابت له ÷ وهو الطلاق.

  نعم، حديث: «الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحاً أحل حراماً أو حرم حلالاً» لا يدخل فيه ما ذكرنا؛ إذ ليس فيه تحليل حرام أو تحريم حلال.

  فإن للمالك أن يتنازل لخصمه أو لغيره عن حقه أو ملكه أو عن بعضهما، وللخصم أن يعطي من ماله ما شاء لمن يشاء من خصم أو غيره، وليس في ذلك شيء من تحريم الحلال أو تحليل الحرام.

  والصلح بذلك لا يحل حراماً ولا يحرم حلالاً، وإنما هو حث على فعل الإحسان والفضل الذي هو خير من المحاققة والمشاححة، وفيه السلامة من الأحقاد والضغائن، وفيه حل النزاع من غير أن يكون هناك غالب ومغلوب وقاهر ومقهور.

  فالعادة أن المحكوم عليه يصاب بصدمة يعقبها أحقاد وضغائن على الحاكم والمحكوم له، ومن هنا قال شريح: أصبحت ونصف الناس علي غضبان، وبما ذكرنا يظهر أن الصلح خير وأفضل فيما ذكرنا.

  وبه يظهر ضعف قول أهل المذهب في هذه المسألة، ويشهد على ضعفها أيضاً ما نراه كما ذكرتم من إصلاحات العلماء بين الناس مع الإنكار، والحمد لله رب العالمين.