من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[في حكم الحاكم في مسألة بعد فتواه فيها]

صفحة 422 - الجزء 2

  ٦ - وللحاكم أن يحكم بعلمه في جميع الحقوق والأموال والقصاص وحد القذف، ولا يجوز في سائر الحدود، إلا في السرقة من أجل إثبات المال، لا إثبات القطع، هكذا قال أهل المذهب كما في الشرح⁣(⁣١).

  ودليل ذلك: أن علم الحاكم أبلغ في القوة من الشهادة؛ لأن الشهادة لا تفيد إلا الظن، والعلم أقوى من الظن، وفي القرآن الكثير من مثل قوله تعالى: {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ}⁣[ص ٢٦]، ومن حكم بعلمه فقد حكم بالحق، غير أن من حكم بعلمه فلا يحكم إلا بعد سماع الدعوى والإجابة. (é)⁣(⁣٢). أما الحدود فلم يجز له الحكم بعلمه؛ لأن الحدود تدرأ بالشبهات.

[في حكم الحاكم في مسألة بعد فتواه فيها]

  في التاج: لأن الأصل في الجنايات الخطأ. اهـ

  قال أهل المذهب: إنه يحرم على الحاكم أن يحكم بعد الفتوى منه في تلك المسألة؛ إذ حكمه تقرير لفتواه كالشاهد، ولو كان الفتوى من قبل تولي القضاء، سواء علم الخصم أم لا، أورث التهمة أم لا، حكم على المستفتي أم له. اهـ

  قلت: الفتوى تصدر من المفتي على حسب ظاهر سؤال المستفتي، والحكم يترتب صدوره من الحاكم على الدعوى والإجابة والشهود والأيمان والإقرار والإنكار والنكول ... و ... إلخ، فإذا كان الحكم مترتباً على ذلك، وعلى حسب القوانين الشرعية تماماً - فلم يظهر لي المنع من الحكم بالحق.

  وقولهم: إذ حكمه تقرير لفتواه - لا يصلح مانعاً، فتقرير الحق بالحق أمر مطلوب في الإسلام، وإنما المانع تقرير الباطل بالباطل.

  وفرق بين الشاهد والحاكم - فالشاهد إذا شهد أنه فعل بنفسه كذا وكذا لا تقبل شهادته؛ لأنه يشهد لنفسه، وقد وردت السنة بعدم قبول مثل ذلك، والحاكم إذا حكم بتقرير الفتوى لا يكون حكمه تقريراً لفعل نفسه، وإنما هو تقرير للفتوى التي


(١) شرح الأزهار ٤/ ٣٢٠.

(٢) شرح الأزهار ٤/ ٣٢٠.