كتاب الجنايات
  أما الفرح والسرور فإنه انفعال نفسي يحصل في النفس عند حصول سببه، ويكون حصوله قهرياً لا اختيار للفارح في حصوله، وإنما يتولد في النفس بمقتضى طبيعتها.
  وقد ثبت شرعاً أن المكلف لا يعاقب على ما حصل من طبيعة النفس؛ لأنه ليس في وسع المكلف أن يتخلص من ذلك، وقد روي أنه نزل في ذلك قوله تعالى: {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا}[البقرة ٢٨٦].
  ينبغي أن نعرف أن من شأن المؤمن أن يستاء من قتل المؤمن، ويفرح ويستر لقتل أعداء المؤمنين، وإذا رأيت المكلف يفرح لقتل المؤمنين لكونهم مؤمنين فليس بمؤمن.
  ومن شأن المؤمن أيضاً أن يفرح بقتل عصاة المسلمين لأجل عصيانهم لله، وتمردهم عليه، وإصرارهم على ذلك؛ لأن المؤمن يكره معصية الله وينفر عنها: {وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ}[الحجرات ٧].
  فإن قيل: لا يستحق أكثر العصاة القتل عند الله وفي شريعته على معاصيهم وإصرارهم عليها، وإنما يستحقون الأدب، فلا يجوز الفرح والسرور بقتلهم الذي لا يستحقونه في حكم الله، ولا شك في قبح الفرح والسرور بمخالفة حكم الله.
  فيقال: الفرح والسرور بقتل الأشرار والمؤذين والمصرين على معصية الله ليس لذات القتل، وإنما هو لما في القتل من السلامة من شرهم وأذاهم، ولما فيه من غياب العصيان بموت العاصين، وهذا وجه فرح المؤمن بقتلهم، ولا خلاف في حسن الفرح والسرور بالسلامة من الشر والأذى، وبغياب المعاصي.
  ولا شك ولا ريب أن ليس الباعث لفرح المؤمن وسروره بقتل العصاة هو كون القتل مخالفاً لحكم الله، ولا شك أن الفرح بمخالفة حكم الله ليس من شأن المؤمنين، بل إنما ذلك شأن الكافرين والفاسقين.
  يبين لنا مما تقدم أنه يحسن الفرح بالقتل من وجه دون وجه.