من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[حكم قتل الخطأ بالمباشرة أو التسبيب]

صفحة 464 - الجزء 2

[حكم قتل الخطأ بالمباشرة أو التسبيب]

  قد قال أهل المذهب: إن قتل الخطأ قسمان: ١ - قتل بالمباشرة ٢ - وقتل بالتسبيب.

  فيلزم في القتل خطأً بالمباشرة شيئان: ١ - الدية، ٢ - الكفارة.

  ويلزم فيه بالتسبيب شيء واحد هو الدية، ولا تلزم الكفارة.

  وإنما لم تلزم الكفارة لأن الذي يسقط في الحفرة فيموت هو الذي قتل نفسه بالوقوع فيها، وحافرها المتعدي في حفرها فاعل سبب ولم يفعل القتل، وآية النساء إنما أوجبت الكفارة على قاتل المؤمن خطأً، وفاعل السبب غير قاتل كما بيّنا.

  وإنما وجبت عليه الدية لئلا يهدر دم مسلم، ولم يوجد من يتعلق به الضمان إلا فاعل السبب.

[في حكم القتل غلطاً]

  يكثر في هذا الزمان القتل غلطاً وذلك بأن يرمي الرجلُ الرجلَ على أنه غريمه فلما قتله انكشف أنه غيره، وهذا النوع من الغلط يجب فيه القصاص؛ لأنه قتل عمد عدوان، وهذا هو المذهب.

  ودليل ذلك: أن الله تعالى حرم قتل النفس بغير حق، وأمر تعالى المسلمين بالتبين عند القتل فقال سبحانه: {إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَتَبَيَّنُوا}⁣[النساء ٩٤].

  والذي يقتضيه النظر هو التفصيل، وذلك بأن يقال: إذا قويت الشبهة في قتل الغلط فيلحق بقتل الخطأ، وذلك بأن يدخل المقتول نفسه في الشبهة كأن يوهم القاتل أنه عدوه فيظن القاتل أنه عدوه فيرميه، ففي نحو ذلك يلحق القتل بالخطأ.

  - وإذا حصل الاشتباه من قبل القاتل ولم يكن من المقتول ما يدعو القاتل إلى الريبة فيه، فإن هذا النوع من القتل يلحق بالعمد.

  هذا ما ينبغي أن يقال في هذه المسألة، وعلى هذا رأينا العقلاء يعذرون القاتل في الصورة الأولى، ولا يعذرونه في الصورة الثانية.