من ثمار العلم والحكمة فتاوى وفوائد،

محمد بن عبد الله عوض المؤيدي (معاصر)

[حكم امرأة أوجرت طفل قريبتها شرابا فشرغ فمات]

صفحة 465 - الجزء 2

  ومن أمثلة الصورة الثانية: أن يرى القاتل على الخط العام الممتلئ بالسيارات الذاهبة والآيبة سيارة فظنها سيارة غريمه لشبهها بها فرمى سائقها بناء منه على أنه غريمه، ففي مثل هذه الحالة لا يعذر القاتل.

[حكم امرأة أوجرت طفل قريبتها شراباً فشرغ فمات]

  سؤال: أخذت امرأة طفل قريبتها فأوجرته شراباً فشرق (شرغ) هذا الطفل من ذلك الشراب فمات؛ فماذا يلزم هذه المرأة؟

  الجواب والله الموفق: أن المرأة التي أوجرت الطفل لا تضمن إذا كانت غير متعدية، وتضمن إن كانت متعدية.

  والتعدي هو: أن تعلم المرأة أن ذلك الشراب يسبب الشرغة، أو تفرط في إيجاره فتوجره أكثر مما يتحمل مثله من كبر الجرعة أو كثرة التوجير مع علمها بما في ذلك من الخطورة، وهذا على فرض أنه يسبب الشرغة.

  والذي يظهر لي أن الشرغة عَرَض يحصل للإنسان صغيراً كان أو كبيراً لا بسبب من الشراب أو الطعام، لذلك فقد يشرغ الإنسان بالماء في نوادر الأحوال، وكذلك قد يشرغ بالطعام، فالشرغة طبيعة بشرية تحصل للإنسان من غير سبب يرجع إلى الشراب أو الطعام.

  وقد يشرغ الإنسان من ريقه أو مما يخرج من المعدة من (الزغر) الذي قد يسمى بالبلغم، أو يشرغ مما ينزل من الرأس، وقد رأيت أنا بعض النائمين يشرغ في نومه فيهب من نومه كالمجنون لا يقدر أن يتكلم من شدة الشرغة.

  إذاً فالشرغة كما ذكرنا طبيعة من الله طبع عليها البشر لا تحصل إلا إذا أذن الله في حصولها، ولا يستطيع الإنسان أن يتحفظ من حصولها.

  فإن قيل: أليس من التعدي أن توجر المرأة غير طفلها بغير إذن؟

  قلنا: إيجار المرأة لطفل أختها أو قريبتها أو صاحبتها لا يعد من التعدي؛ وذلك أن مثل هؤلاء كالمأذون لهن من قبل الأم والأب، بل إنهما يعدان مثل ذلك من الإحسان، وهذا كالشريعة العامة بين الناس.