تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم 9}

صفحة 509 - الجزء 2

  التي أحبطها الله، وهم فلم يؤمنوا فيكون لهم أعمال؟

  وهذا - أحاطك الله - فخبر عن فعل من مضى، ممن لم يقبل إلى الهدى، وهو وعيد لمن بقي من أهل الدنيا، ممن يدعي الإسلام، وغيرهم من سائر الأنام، إلى يوم الدين، وحشر العالمين. فأما أعمال من لم يؤمن بالله ورسله - فإنه لم تكن أمة من الأمم، إلا وهي تعلم أن الله خالقها، وخالق غيرها؛ وذلك قوله: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم}⁣[الزخرف: ٩]، وكل أمة قد كانت لها أعمال ترى أنها أفضل الأديان، من عبادة الشمس والقمر والنجوم، والأوثان والأنصاب، ومنهم من كان يعبد الملائكة المقربين، ويزعمون أنهم يريدون بذلك التقرب إلى رب العالمين، ومنهم من كان يعبد اللات والعزى، وهما قبتان كانتا بالطائف ونخلة؛ فأخبر الله: أن ذلك كله بور حابط، وأنه لكل شيء محبط، وإحباطه إياه هو: حكمه بالبطلان والبور، وجعله إياه سبحانه هباء منثورا، لا يرفع منه قليل ولا كثير، ولا ينتفعون منه وإن جهدوا فيه بحقير ولا خطير؛ إذ ذلك عند الله كفر وشرك، وله جحدان، وأنه لا يرضى من أحد من خلقه بغير الإخلاص له والإيثار، وترك عبادة كل ما كانوا دونه يعبدون، ورفض ما كانوا يؤثرون. فأما وعيده لمن بقي من بعد أولئك، ممن يدعي الإسلام، وينتحل دين محمد صلى الله عليه وآله - فقوله: {إنما يتقبل الله من المتقين}؛ فأخبر: أن أعمال من كان غير متقي، وكان من أهل الإجتراء والمعاصي، وكان مقرا بالتوحيد - غير مقبولة ولا مرفوعة، ومن كان عارفا بما جاء به الرسول، قائما بفرائض ربه، مؤديا لكل أمره، غير مقارف للظلم والعصيان، ولا داخل في كبائر ما نهى عنه ذو المن والسلطان، فإن توبته مقبولة مرفوعة؛ لأنه إنما يرفع ما يتقبل من الأعمال؛ لأن رفعه هو: تقبله، وتقبله هو: رفعه، لا فرق بينهما، وكل ما تقبله فقد رفعه، وكل ما رفع فقد تقبل. وكذلك حال من كان في الأرض من أهل الملل وغيرهم، من: المجوس ونظرائهم من