تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين 53}

صفحة 386 - الجزء 1

  سبحانه لمن اتبع رسوله بالدين، وإخلاص النيات، فقال: {يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه}، فأخبر أنهم يقصدونه، ويطلبون ما عنده؛ فكان هذا مدحا لهم، وثناء عليهم، وذما لغيرهم.

  ثم أخبر نبيه #: أنه إن فعل ذلك كان من الظالمين، وهو # فلم يكن ليفعل ذلك بالمؤمنين؛ بل كان شفيقا عليهم، عارفا بحقوقهم، وكانت مسألتهم هذه لمحمد صلى الله عليه وآله كمسألة أصحاب نوح #، حين سألوه طرد من كان معه من المؤمنين؛ حسدا لهم لما سبقوهم إلى الإيمان بالله ø، فقالوا: {أنؤمن لك واتبعك الأرذلون}⁣[الشعراء: ١١١]، والأرذلون في اللغة فهم: الذين لا خطر لهم ولا قيمة ولا رئاسة، سقاط الناس، ومن لا ينظر إليه منهم؛ فسموهم بهذا الاسم؛ احتقارا لهم، واستخفافا بهم، وكانوا عند الله سبحانه أفضل منهم، وأعلا درجة، وأعظم مرتبة؛ فكان من قول نوح #: {وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملاقو ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون ٢٩ ويا قوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون}⁣[هود: ٢٩، ٣٠]، فسألوا محمدا صلى الله عليه وآله ما سأل إخوانهم المبطلون في سالف الدهر نوحا وغيره من الأنبياء $، وكذلك أهل الباطل أفعالهم متقاربة، وأمورهم متشابهة؛ ألا تسمع كيف يقول الله سبحانه: {تشابهت قلوبهم}⁣[البقرة: ١١٨]، يعني: الأولين والآخرين، فيما يسألون الأنبياء، ويتقحمون به من جميع الأشياء؛ فنعوذ بالله من الحيرة والعمى، والضلالة بعد الهدى.

  · قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ فَتَنَّا بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لِيَقُولُوا أَهَؤُلَاءِ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنَا أَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِالشَّاكِرِينَ ٥٣}⁣[الأنعام: ٥٣]

  قال في مجموع كتب ورسائل الإمام المرتضى بن الهادي #:

  وسألت: عن قول الله سبحانه: {وكذلك فتنا بعضهم ببعض}، فقلت: ما