تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين}

صفحة 464 - الجزء 1

  وقوله تعالى: {وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى}⁣[الأعراف: ١٧٢]، الابتهال هاهنا: بلسان الفعال دون المقال، وكذلك الجواب: لما أخرج النطفة من الصلب، وهو الظهر إلى الرحم، رقيقة مهينة، حقيرة منتنة، ليس فيها شيء من آثار الخلقة - أشهدها على نفسها أنه الخالق المصور، فخلقها بمعنى: قدرها، وبرأها بمعنى: أوجدها وصورها، ما شاء من زيادة ونقصان، وخفة ورجحان، فلو خلقت للنطفة - والحال هذه - لسان، وأقدرت على النطق - لشهدت له سبحانه بالربوبية، واعترفت بالعبودية، شهادة حقيقة.

  · قوله تعالى: {أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين}⁣[الأعراف: ١٧٢]: في الكلام حذف، تقديره: إذا كان الأمر في الذرية من الظهور ما قدمنا، فما الموجب أن يقولوا به يوم القيامة: {إنا كنا عن هذا غافلين}؟، وهل الغفلة عذر في حق رب العالمين، وما يجب أن يقع فيه النظر من أصول الدين؟ ولولا غفلتهم عن الفكر لاعترفوا بربوبية رب العالمين، ولشهدوا كما شهد الماء المهين.

  · قوله تعالى: {أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم أفتهلكنا بما فعل المبطلون}⁣[الأعراف: ١٧٣]، وهذا الفصل لاحق بالأول؛ لأنهم اعتذروا بالأول: بالغفلة عن النظر فيما يوجب الاعتراف، وفي هذا تقليد الآباء والأسلاف. الشرك: إضافة فعل الله إلى غيره، وإضافة فعل غيره إليه. والآباء: معروفون. وقد تقدم معنى الذرية. والهلاك: التلف أو ما يؤدي إليه أو يقرب منه، وأصله: السقوط. المبطل: نقيض المحق، وأصل البطلان: الذهاب، ومن فعل لغير الله سبحانه بطل سعيه.

  فإذا كانت الحال هكذا كان الواجب على المسلم، وطالب النجاة: أن ينظر في الأدلة والبراهين، ويميز بين أقوال المختلفين؛ ليقع من أمره على عين اليقين، ولا