قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم 12}
  إلى قوله: {إن الله تواب رحيم}؟
  فقال: هذا نهي من الله سبحانه لعباده عن سوء الظن بإخوانهم المؤمنين، الذين قد عرفوا منهم محض الإيمان، وأيقنوا منهم بترك معاصي الرحمن. ثم أخبر سبحانه: أن من ظن بأخيه المؤمن ما قد علم منه خلافه من التقوى - فقد دخل في الإثم والردى. ثم قال سبحانه: {إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا}، يقول سبحانه: ولا تجسسوا من طريق طلب العيب من إخوانكم والبحث؛ أن تجدوا لهم عيوبا تعيبوهم بها، من بعد أن قد شهدتم بالإيمان لهم، وأقررتم بالتقوى لهم؛ فهذا الذي نهى الله المؤمنين أن يتجسسوا عليه وفيه وله. فأما من كان ذا تهمة من أهل الزلة والعثرة، والدخول في ما يسخط الله من المعصية - فالتجسس عليه واجب؛ ليظفر به، ويشهد على فعله، فتقام واجبات حدود الله عليه في صنعه، فيكون ذلك نكالا له ولغيره من شكله. وأما قوله: {ولا يغتب بعضكم بعضا} فهو: نهي منه سبحانه عن أن يقع بعضهم في بعض من ورائه بالباطل والبهتان، أو بالظن الكاذب في بعض الشأن. ثم قال سبحانه: {أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا}: بالاغتياب له من ورائه، وجعلهما سيان في كل معنى، وفي ذلك ما يروى عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله أنه قال: «إن الله يبغض البيت آكل اللحم»، يريد: الذي يوقع فيه بالمؤمنين، ويغتابون ويؤذون، وبالباطل فيه يرمون، وفي ذلك ما روي عنه صلى الله عليه وآله، حين رجم ماعز بن مالك الأسلمي، الذي أقر عنده بالزنا فرجمه، ثم انصرف والمسلمون معه، فقال طلحة والزبير: انظروا إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم يستر على نفسه، حتى رجم مرجم الكلب. فسمعهما رسول الله صلى الله عليه وآله، فسكت عنهما، حتى أجاز بجيفة حمار شاغر برجله، فوقف، ثم قال لهما: «انزلا فأصيبا من هذه الجيفة». فقالا: نعيذك بالله يا رسول الله، أناكل الميتة، ونصيب منها؟! فقال صلى الله عليه وآله: «لقد