قوله تعالى: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم 14}
  أسلمنا. ومعنى {أسملنا} فهو: صدقنا واستسلمنا للحكم؛ ألا ترى كيف قال: {ولما يدخل الإيمان في قلوبكم}، يريد: لم يصح الإيمان لكم، ولم يدخل في قلوبكم بالقول دون العمل، فلستم من المستسلمين العاملين، ولستم من المؤمنين المخلصين. ثم أخبرهم سبحانه: أنهم إن تابوا ورجعوا إلى العمل، فعملوا بعد القول، واعتقدوا طاعة ذي الجلال والطول، فعملوا بأمره كله، وانتهوا عن نهيه كله، وكانوا مع إقرارهم بالوحدانية له عاملين مجتهدين - كانوا من بعد ذلك عنده من المفلحين، وصح لهم اسم المؤمنين؛ وذلك قوله: {لا يلتكم من أعمالكم شيئا}، يريد: لا ينقصكم من جزاء أفعالكم وسعيكم؛ ولو كان كما يقول أهل الجهل والبهتان: إن الإيمان قول بلا عمل - لما قال: {لا يلتكم من أعمالكم شيئا}، ولما قال للأعراب الذين وحدوا، وشهدوا بالشهادتين وصدقوا وجاهدوا، ولم يعملوا بكل الفرائض: {قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا}، يريد سبحانه: لن تكونوا أبدا مؤمنين، حتى تكونوا بالفرائض كلها عاملين.
  وقال في كتاب البساط للإمام الناصر الأطروش #:
  أعلمهم: أنهم لم يكن منهم ما يستوجب إيمان أنفسهم؛ ولكن كان منهم التسليم، وإظهار قبول الحق الذي لا ينفع في الآخرة، وينفع في الدنيا إذا قارنه معصية لله كبيرة؛ وقد يكون العبد متقيا لله في بعض الأمور، ومسلما وبرا ومحسنا، ويكون مع ذلك غير متوق شيئا آخر، ولا بر ولا محسن في غير ما أحسن فيه، فيجوز أن يسمى فيما اتقى وأسلم وأحسن باسم ما فعل، ويكون ذلك نافعا له مع إصراره على معاصي الله، ولا يكون مستحقا اسم الإيمان الممدوح أهله، الموجب رضوان الله؛ لأنه قد كان منه مع تقواه وبره في إحسانه - ما لم يؤمن به نفسه من سخط الله ووعيده، ولم يكن منه تقوى لله ولا بر ولا إحسان فيه، ولا يكون متقيا لله غير متق له، ولا مسخطا لله غير مسخط له، ولا محسنا عند الله غير محسن عنده، مستوجبا للجنة وغير مستوجب لها، ومستوجبا