تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا أنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون 254}

صفحة 116 - الجزء 1

  قال محمد بن يحيى #: هذه دلالة من الله ø للمؤمنين على ما فيه الصلاح لهم، والنجاة في آخرتهم، وإخبار لهم بما في الآخرة من الهول والشدة، فأمرهم أن ينفقوا مما رزقهم الله في سبيل الخير، وما يثابون عليه ويكافؤون فيه، من: الإنفاق في سبيل الله، والمعونة على أمر الله؛ وذلك قوله سبحانه: {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}، ومن: النفقة أيضا على المساكين، وأبناء السبيل، وفك الرقبة المسلمة، وصلة الرحم، والرأفة بالأيتام، والصلة لأهل الضعف من الأنام؛ فكل هذا مما تزكو فيه النفقة، ويعظم فيه من الله العطية؛ وأمرهم سبحانه بالإنفاق في هذه الأبواب، من قبل أن يأتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة، وهو: حضور القيامة، حيث ينقطع البيع والشراء، واللهو والعبث، والخلة والشفاعة؛ لأن أهل هذه الدنيا يتخالون فيها، ويتحزبون، ويتعارفون، ويشفع بعضهم لبعض إذا نزلت بهم نازلة، والآخرة فلا تحزب فيها، ولا تعاون على ظلم، ولا شفاعة لمبطل؛ لأن ذلك يوم يوضع فيه موازين القسط، ويحكم فيه الجبار، وتتضح فيه الأسرار، {يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه}، وكل مشتغل بنفسه، مأخوذ بذنبه؛ {ووجدوا ما عملوا حاضرا}، {ولا يظلم ربك أحدا}، {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين}.

  وقد يكون أيضا من البيع: ما ذكر الله ø حين يقول: {إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة يقاتلون في سبيل الله فيقتلون ويقتلون وعدا عليه حقا في التوراة والإنجيل والقرآن ومن أوفى بعهده من الله فاستبشروا ببيعكم الذي بايعتم به وذلك هو الفوز العظيم}، فيبتاعون بأفعال البر ما جعل الله من العطاء والنعيم؛ وذلك قوله: {إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم}، فإذا فرط في هذا المفرطون في الدنيا لم يجدوا في الآخرة سبيلا؛ لأن الآخرة دار الجزاء، وليس فيها لأحد عمل عليه يعطى.