تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة}

صفحة 113 - الجزء 3

  وجعل المودة بينهم؛ إذ قد أطلق لهم من الفعل ما يجتلب المودة، ويزرع المحبة، من اللطف والبر، في العلانية والسر، فلما أن تباروا وتنافعوا - جرت المحبة والمودة للمؤمنين في قلوب الكافرين؛ لما ينفعونهم به، ويحسنون إليهم فيه؛ فكان الإذن من الله ø للمؤمنين، بما يجتلب المودة في الإقساط إلى الكافرين - أفضل المنة منه على المحسنين.

  وقد تكون تلك المودة هي: ما في الإيمان من البركة واليمن، وما جعل الله بين المؤمنين من المحبة، وافترض عليهم من التواد على الدين، وحكم به من الأخوة بين المؤمنين، حين يقول: {إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون}⁣[الحجرات: ١٠]؛ فكان كل من دخل فيما أمر بالدخول فيه من الإيمان إذا دخل، وإلى الله سبحانه أقبل - سدده الله سبحانه ووفقه، وحببه إليه من بعد إقباله إليه، وبغض إليه الكفران، كما قال الله الرحمن: {واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون}⁣[الحجرات: ٧]، فكان كل من دخل في الإسلام، من جميع الأنام - أخرجته بركة الإيمان من الحقد، والدغل والحسد، حتى يعود إلى المؤاخاة على الحق، والقول في ذلك على الله بالصدق؛ فهذا ما لا ينكره ذو عقل وتمييز؛ ألا تسمع كيف حكى الله ø ذلك عنهم، وذكر لك قولهم، حين كانوا يدخلون في الدين، ويتابعون المسلمين على اليقين، حين يقول: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم}⁣[الحشر: ١٠]، فلما أن دخلوا في الإيمان - صاروا عليه وفيه نعم الإخوان متحابين، متواصلين متواخين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، فكانوا كما قال الله : {الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن