تفسير وبيان لبعض آيات القرآن،

عبد الرحيم بن محمد المتميز (معاصر)

قوله تعالى: {ياأيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم 10 تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون 11}

صفحة 116 - الجزء 3

  المكذب للفسقة المبطلين، من المشبهة المجبرين؟

  قيل له: إنما أراد الواحد الأحد، المتقدس الفرد الصمد بما عنه سألت من قوله - الدلالة على فضل الجهاد، والقيام بالحق في الخلق والبلاد؛ فدلهم بما قال، وبما ضرب لهم من التجارة في الأمثال، على أنه لا شيء عنده يعدل الجهاد، من جميع ما افترض على العباد؛ فنبههم للخطر والفضل المبين، وأخبر أنه أعظم وأجزل ما يلقونه يوم الدين؛ وكيف لا يكون - يا بني - ما ذكر الله من الجهاد كذلك، ولا تكون تجارة عند الله سبحانه للعباد - من العذاب والمهالك؟! وبه تقوم أحكام رب العالمين، وتحيى سنن خاتم النبيين، ويعز المؤمنون، ويذل الفاسقون، وتشبع الأكباد الجائعة، وترفع الرقاب الخاضعة، وتظهر حجج الحق الدامغة، وتموت البدع السابغة، وتعلو وتظهر الخيرات، وتماط وتنفى الفاحشات، ويعمل في كل البلاد بالصالحات، وينصر المظلومون، ويردع الجائرون، وتكسى الظهور والجنوب العاريات، ويمات الظلم والشرور، وتقضى الغرامات عن الغارمين، وينصر الله به المستضعفين، ويعز به الإسلام والمسلمين؛ فيالها تجارة ما أربحها، ودعوة ما أنورها، لو كان لها من الأنام مجيبون، أو في هذه الأمة المخذولة طالبون! ولكن لا طالب لها، ولا تاجر فيها، ولا مقبل إليها؛ تعلقوا بالشبهات، وتسلوا بالأمنيات، وكرهوا الوفاة، واستطابوا تافه الحياة، ومالوا إلى غرور الدنيا، وجروا واستبقوا في ميادين الهوى، وزهدوا في دار الخلد التي تبقى، التي لا نصب فيها ولا تعب ولا شقاء؛ كأن لم يسمعوا الواحد العلي الأعلى يقول في ما نزل من الوحي على نبيه المصطفى: {وما هذه الحياة الدنيا إلا لهو ولعب وإن الدار الآخرة لهي الحيوان لو كانوا يعلمون ٦٤}⁣[العنكبوت]؛ فلعمري إنها الفرة من القتل؛ ليلاقي من الموت ما هو أشد وأبلى، وأطول نكدا، وأعظم هولا، وما عن الموت لهم من مهرب ولا مصدر، وما ينجوا منه من أحد، كما قال رب العالمين: {كل نفس ذائقة الموت ثم إلينا