قوله تعالى: {ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا}
  وقد يمتحن الله المؤمن في بعض الأحوال بالشدائد، والزلازل وعظيم البلاء؛ ليمحصهم من صغائر ذنوبهم، وليختبر طاعتهم وصبرهم؛ نظرا منه جل ذكره؛ {ليمحص الله الذين آمنوا ويمحق الكافرين}، فإذا صبروا ورضوا بامتحان الله إياهم، وسلواه لهم - زادهم ثوابا وكرامة، وضاعف لهم الحسنات، وأوجب لهم رفيع الدرجات.
  وقد يمد الله أهل معصيته في بعض الأحوال بالأموال والبنين والنعم، ويدافع عنهم المصائب، ويمهلهم، ويصحح أجسادهم؛ ليستدعي بذلك طاعتهم، ويستشكرهم على نعمه عليهم، وليعلمهم أن معاصيهم إياه لا تضره؛ فإن آمنوا وتابوا قبلهم وتاب عليهم، وإن أصروا ولجوا في طغيانهم لم يخف فواتهم، وأخذهم بذنوبهم، وبسوء اكتسابهم، فخلدهم في النار، {وما ربك بظلام للعبيد}.
  فعلى هذا سأل المؤمنون ربهم، فقالوا: ربنا ولا تحمل علينا ثقلا من المحنة، فلعلنا نعجز عن حمل ذلك، يميل(١) منا إلى الدنيا، ورغبوا إليه جل ذكره أن يسهل عليهم المحن، ويخفف عليهم الثقل من البلوى؛ وهذا في كلام العرب معروف، يقول الرجل للرجل: «لست أطيق كلامك، ولا أحتمل حكمك»، ليس يريد: أنه لا يقوى على ذلك، ويعجز عنه؛ لمرض به، أو ضعف بدن وجوارح، وعدم استطاعة؛ ولكن يريد: أنه يكرهه ولا يحبه.
  فعلى هذا تأويل الآية، وما شاكلها من القول، والله معبود محمود.
(١) لعله: بميل. ظناً (جامعه)