سورة المرسلات
  {فالملقيات ذكرا ٥}، فهن: الملائكة الملقون بما يلقون إلى الأنبياء والمرسلين، من وحي رب العالمين. و {ذكرا} فمعناه: وحيا وأمرا، وقصصا وخبرا، وإعذارا وإنذارا؛ ألا ترى كيف بين ذلك سبحانه، فقال: {عذرا أو نذرا ٦}، والعذر فهو: الإعذار في الشيء، بالتقدمة إلى أهله في العذر من وقوعه، وأخذ الأهبة قبل نزوله. {أو نذرا}، فالنذير هو: الرسول المخبر بالأمر قبل وقوعه، المعلم المنذر به؛ فأخبر الله سبحانه: أن الملائكة تلقي الذكر والإعذار، وتكون بذلك إلى الأمة نذرا منذرين لهم من بطش رب العالمين.
  ثم قال سبحانه، جوابا لقسمه الذي أقسم به فيما أقسم به، من: المرسلات، والعاصفات، والناشرات، والفارقات، والملقيات: {إنما توعدون لواقع ٧}، يقول ø: إن كل ما يذكر لكم، وتوعدونه من ثواب أو عقاب لواقع حقا، ونازل بكم قريبا صدقا. وإنما أقسم الله بما أقسم به من هذه الأشياء؛ لعظيم ما فيها من براهينه، وجليل صنعه وتدبيره؛ فنبه الله ﷻ بالإقسام بها، على عظيم الدلائل التي فيها الدلالات على جاعلها، المبينة بأثر الصنع صنع صانعها.
  ثم دل على وقت وقوع ما يوعدون، فقال: {فإذا النجوم طمست ٨ وإذا السماء فرجت ٩ وإذا الجبال نسفت ١٠}؛ أراد: أن ذلك الوعد كائن، عند كينونة ما ذكر من هذه الأشياء. ومعنى {طمست} فهو: أذهبت وأفنيت، وقلعت ومحقت، وأبيدت ففنيت، ومحيت فذهبت. ومعنى {فرجت} فهي: فتحت، وقطعت ومزقت فانفرجت. ومعنى {نسفت} الجبال فهو: تمزيقها وإفناؤها، وإبادتها وإبلاؤها، وقلعها من مواضعها، حتى تخلو مواضعها منها، وتضمحل فيفنى ما كان يرى من تجسمها، وعظيم خلقها.
  ثم قال سبحانه، وجل عن كل شأن شأنه: {وإذا الرسل أقتت ١١ لأي يوم أجلت ١٢}، يريد بـ {أقتت}: أنها قد جعل لها وقت إليه تبلغ، وإياه تنتظر، وفيه تبعث وتنشر. ثم بين، فقال: {لأي يوم أجلت ١٢}؛ تعظيما منه