قوله تعالى: {قد أفلح من زكاها 9}
  ÷: «إن صيامها كصيام الدهر»، وهي: ليلة ثلاث عشرة، وأربع عشرة، وخمس عشرة؛ وهي ليال جعلها الله كلها مضيئة مقمرة، وصل الله ضوء نهارها بضوء ليلها، فكان ذلك من عظيم النعمة فيها وجليلها؛ فسبحان من وصل وفصل بين الأمور، فوصل منها بين نور عظيم ونور.
  {والنهار إذا جلاها ٣} فهو: إذا أظهرها النهار وأضحاها؛ لأنها لا تضحى أبدا بإظهار إلا فيما جعلها الله تضيء فيه من النهار.
  وكذلك سبحانه دبرها في مقدارها، وبذلك فقدرها في مسيرها ومدارها؛ وفيها ما يقول سبحانه: {لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون ٤٠}[يس]، فكلهم جميعا في فلك - وهو: المدار - يطلعون ويغربون؛ فليل الشمس والقمر عند كل أحد فغير نهارهما، وأنهما يدوران جميعا بالليل والنهار في مدارهما كما قال سبحانه، فلا يمكن أن يسبق النهار، وإن كان الفلك في ذلك كله هو المسلك والمدار، لأن الليل لو سبق نهاره - لسبقت الظلم أنواره، فبطل العدد والزمان وتقديرهما، وفسد البشر والحيوان وتدبيرهما، ولكان في ذلك أيضا فساد الأشجار والثمار؛ لأن قوام ذلك كله ونشأته بما فصل بين الليل والنهار؛ فسبحان مفصل الأمور والأشياء؛ لبقاء ما أراد بقاءه من النبات والأحياء، وليعلم العالمون عدد السنين والحساب، الذي عنه وبه يكون كل جيئة وذهاب، أو بقاء لشيء من الأشياء، جعله يبقى أو يفنى، مما فطره سبحانه خلقا؛ كما قال جل ثناؤه، وتقدست بكل بركة أسماؤه: {وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل وجعلنا آية النهار مبصرة لتبتغوا فضلا من ربكم ولتعلموا عدد السنين والحساب وكل شيء فصلناه تفصيلا ١٢}[الإسراء].
  وتأويل: {والليل إذا يغشاها ٤} فهو: إذا غشي الليل الشمس وآتاها، فوارى بظلمته نورها، وأخفى بظهوره ظهورها، ولم تر الشمس، ولم تنتشر