سورة التين
  ما يقول تبارك وتعالى: {وناديناه من جانب الطور الأيمن}[مريم: ٥٢]، والطور فهو: طور سينين المذكور. ومن كرم الحرم وفضله: فما جعل الله فيه من الأمن لأهله، وما فرض من حج بيته، وألزم الناس في ذلك من فريضته.
  وتأويل: {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ٤} فهو: خلقه للإنسان في أحسن تعديل، من كل توصيل وتفصيل: أصل به أو فصل، أو هيء بهيأته فعدل، من هيئة أو صورة مصورة مقدرة، أو فؤاد أو سمع أو عين مبصرة؛ وكل ذلك - كان مفصلا أو موصلا - فقد جعله سبحانه مستويا معتدلا، كما قال تبارك وتعالى: {ياأيها الإنسان ما غرك بربك الكريم ٦ الذي خلقك فسواك فعدلك ٧ في أي صورة ما شاء ركبك ٨}[الانفطار].
  تأويل: {ثم رددناه أسفل سافلين ٥} فهو: رده إن بقي وعمر إلى آخر أعمار الآدميين، التي إن صار إليها وبقي حيا فيها - تغيرت حاله وعقله، وبان نكسه وسفاله، كما قال سبحانه: {ومن نعمره ننكسه في الخلق أفلا يعقلون ٦٨}[يس]، وتأويل: {ننكسه} فهو: نرده في الهرم والذهاب، بعد القوة والجدة والشباب، أو يموت قبل ذلك على كفر وإنكار، فينكس بعد الكرامة في الهوان وعذاب النار؛ ومن الذي هو أسفل درجة من كفره إن لم يهرم، إذا هو نكس ورد في الآخرة إلى نار جهنم؟! فنعوذ بالله من السفال، بعد التمة والكمال.
  وكل إنسان فرذل، ليس له كمال ولا فضل - كما قال سبحانه -: {إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون ٦ فما يكذبك بعد بالدين ٧ أليس الله بأحكم الحاكمين ٨}.
  فكلما لم يدخله من العطايا والجود - وذلك فما لا يوجد أبدا إلا في عطايا الله الجواد الكريم؛ وكل عطاء أعطاه معط سوى الله من حميد أو ذميم - فليس يخلو من أن تدخله منة وامتنان، وإن لم ينطق بالمنة فيه لسان؛ لأن من وهبه وأعطاه - لم