قوله تعالى: {فأثابكم غما بغم}
  حلت - طمعوا فيما يطمع فيه مثلهم من الغنائم، ورجوا أن يكون شدهم على الكفار مع أصحابهم أصلح، وفي الأمر الذين يراودون أنجح، فزلوا وعصوا الرسول فيما أمرهم به من الثبوت على باب الشعب، وكان ثباتهم عليه على المشركين أصعب، فلما أن تنحوا أمكن للكافرين ما أرادوا، فظفروا من المسلمين ببعض ما أحبوا، ثم لاقوا من بعد ذلك من نصر الله للحق ما كرهوا، فثبت الله من بعد ذلك المؤمنين، وغفر لأهل الخطيئة المذنبين، وأنزل عليهم السكينة، وغشاهم النعاس أمنة منه، كما قال الله سبحانه: {ثم أنزل عليكم من بعد الغم أمنة نعاسا يغشى طائفة منكم وطائفة قد أهمتهم أنفسهم يظنون بالله غير الحق ظن الجاهلية يقولون هل لنا من الأمر من شيء}، قال الله سبحانه لنبيه صلى الله عليه وآله: {قل إن الأمر كله لله}، ثم قال سبحانه لنبيه: {يخفون في أنفسهم ما لا يبدون لك}، ثم أخبر عما أخفوا، وما من المنكر أجنوا، فقال: {يقولون لو كان لنا من الأمر شيء ما قتلنا هاهنا}؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وآله حين أتته قريش ونزلوا بأحد - شاور أصحابه، فأشاروا عليه أن يثبت في المدينة، فإن أقاموا أضر بهم المقام حتى ينصرفوا، وإن صاروا إلى المدينة فدخلوا - قاتلهم بها الصغير والكبير، والنساء من فوق البيوت؛ فأراد ذلك رسول الله صلى الله عليه وآله، ثم أشاروا عليه من بعد بالخروج إليهم، فنهض، فلبس لامته، ثم خرج عليهم، فقالوا: يا رسول الله قد رأينا رأيا، إنا لم نقاتل ببلدنا وبين دورنا أحدا إلا أظهرنا الله عليه، وبلغنا فيه ما نريد، فأقم بنا مكاننا على رأينا الأول، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: «كان هذا أولا، إنه ليس لنبي إذا لبس لامته أن ينزعها حتى يقاتل عدوه»، فخرج وخرج معه ألف من الناس، فلما فصل من المدينة رجع عنه عبدالله بن أبي سلول، رأس المنافقين، في ثلثمائة من الفاسقين، ومضى رسول الله صلى الله عليه وآله حتى لقي القوم، فكان من أمرهم ما ذكرنا، ومن حالهم ما شرحنا؛ فذلك قولهم: {لو كان لنا من الأمر